ضبابية الإبداع

00:33 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

إلى أي مدى يحث الواقع العربي على الإبداع؟ أو إلى أي مدى ينظر كُتّابنا لأفكار خلاّقة تدفع إلى الإبداع؟ إذا أنت التفت إلى السؤال الأول، ستضطر إلى التجوال بين طرفي قوس عريض، ومرهق، ويحتاج إلى تقارير مؤسسية، تتعلق بالتعليم والإعلام والبحث العلمي والحالة التكنولوجية.. إلخ، وسنجد أنفسنا أمام مفاهيم يتقاطع فيها الاجتماعي بالثقافي بالعلمي.

 ومن هنا تبدو السلامة في الاقتصار على دور الكُتّاب في ابتكار مدونة تجذب الآخرين نحو الإبداع، ولكننا هنا أيضاً سنصادف عدة إشكاليات قبل الإبحار في بعض جوانب هذه المدونة، الإشكالية الأولى تتمثل في مسألة غاية في الأهمية، وهي غياب معجمي محدد ودقيق لمفردة الإبداع، فما هو الإبداع على وجه الدقة؟ هل هو الجديد؟ أم المختلف والمغاير؟ أم الوصول إلى النهاية في الصنعة؟ بالتعبير التراثي، أم الخلاب؟ أم الجميل؟ أم الرافع للذائقة والمشغل لآلة العقل؟ أم عدم التقليد؟ أم نقيض الاتباع؟... إلخ. مع ملاحظة أن كل استفهام ينطوي على مجموعة من الإشارات الغامضة ويحيل إلى الكثير من المرجعيات المعرفية.

 الأسئلة السابقة تختزن بداخلها أزمة كبرى، فنحن نوزع كلمة إبداع بصورة مجانية، حتى أصبحت تؤشر إلى معنى ملتبس وغامض ومتشظٍّ، عصي على الحصر، بعيد عن الوضوح، ولقد لعبت الصحافة الثقافية، تحديداً، دوراً كبيراً في ذلك، حيث أطلقت على الكثيرين وصف «مبدع»، واستهلكت الكلمة في العناوين، بصفة خاصة، حتى لا تتكرر كلمات مباشرة ومعتادة، مثل روائي وشاعر وقاصّ. وهنا نصل إلى إشكالية أخرى، وهي أننا أصبحنا في اللاوعي نربط تلقائياً بين منتج الثقافة، بمعناها النخبوي، والإبداع، الأمر الذي يحتاج إلى إعادة النظر حتى في ما يتعلق بمن نطلق عليهم «مبدعين» في حقول الأدب والفن، ولكن الأكثر أهمية أننا لم نعد نلتفت إلى الإبداع كقيمة مجتمعية تتعلق بكافة المهن والوظائف، فالشاعر ليس وحده هو المبدع، فربما يكون أحد العمال أكثر إبداعاً في مهنته من أصحاب الياقات البيضاء.

 إذاً، نحن أمام فضاء غائم، لمصطلح نحن أحوج ما نكون إلى فهمه وتفعيله، حتى ننخرط في العصر، ونقتحم المستقبل، وعلى نخبة الكُتّاب البدء في حوار جاد حول معنى الإبداع وحدوده، والتخلص من الأنانية في استئثارهم بهذا المصطلح، والبحث عن آفاق أخرى مغايرة لكل ما هو مطروح، والانتباه إلى أن الإبداع مطلوب في مختلف أوجه الحياة: الإدارية والاقتصادية وحتى اليومية على مستوى الأفراد، والاحتفاء بالأفكار البسيطة، فقد تؤدي فكرة تبدو ساذجة للوهلة الأولى إلى تحولات إيجابية فشل في الوصول إليها من نطلق عليهم - أو من أطلقوا على أنفسهم - وصف «مبدعين».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"