صدمة التوظيف وتبعاتها

22:00 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم محمود حنفي

معدل البطالة هو أحد المؤشرات لتقييم حالة سوق العمل. وتناسلت جائحة كوفيد – 19 جائحة البطالة، حيث بدأ عدد العاملين في الانخفاض في مارس من العام الماضي عندما تحمّلت الحكومات العبء الأكبر الناتج عن تفشي فيروس كورونا في العالم. وما ضاعف من الصدمة أن سوق العمل في العالم ظلت بصفة عامة تعاني حالة ركود خلال العام الماضي، وقد استمر هذا الاتجاه طوال العام وحتى الآن. ومع ذلك، إذا نظرنا إلى الوراء، فقد ظل معدل البطالة بين الشباب يرتفع منذ عام 2014، مما يشير إلى أن الشباب يجدون صعوبة في الحصول على وظائف. وسط الركود طويل الأمد في التسعينات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين في اليابان، فشل العديد من الشباب في الحصول على وظائف واعتمدوا مالياً على الآباء كبار السن. البعض يصفهم ب«الجيل الضائع». وإذا ظل الشباب عاطلين عن العمل، فلن يتم نقل المعرفة والتكنولوجيا الاقتصادية أو الصناعية إلى جيل الشباب بشكل صحيح، مما سيوسع الفجوة بين الأجيال، كما ستؤدي بطالة الشباب أيضاً إلى فقدان المجتمع زخمه بشكل عام.

وهكذا أدت جائحة كورونا إلى تجميد سوق العمل في العالم، وكان التأثير أكثر حدة في القطاعات الضعيفة. ومرة أخرى، ذكرتنا صدمة التوظيف التي سببتها جائحة كورونا بأن خلق فرص العمل هو أفضل سياسة للرفاهية. وبينما يدعم القطاع العام سوق العمل، يتوجب على الحكومات أيضاً أن تتوصل إلى تدابير مناسبة لحث القطاع الخاص على خلق وظائف جديدة وجيدة.

تظهر عدة تحليلات، ما هي الصناعات التي كانت محظوظة بما يكفي للاستفادة من الوباء والصناعات التي لم تكن كذلك. فقد أدى مقدمو الخدمات غير المباشرة، والمنتجات الحيوية، وأنشطة البحث والتطوير ذات الصلة، أداء جيداً حتى في خلق وظائف جديدة. وعلى العكس من ذلك، فإن صناعات السياحة والنقل وكذلك الخدمات الشخصية مثل المطاعم والإقامة فقدت العديد من الوظائف. بمعنى ما، جرت عملية إعادة هيكلة في سوق العمل. ولأن الوباء عزز الخدمات اللاتلامسية وسرّع الانتقال إلى الثورة الصناعية الرابعة، فقد أحدث بالتالي اضطراباً هائلاً في سوق العمل.

ورغم التفاؤل النسبي بقرب تخفيف آثار الجائحة مع بدء التطعيم باللقاحات في أنحاء العالم غير أن هذه الأزمة أبعد ما تكون إلى الزوال. فلا يزال التوظيف أقل بكثير من مستويات ما قبل الجائحة وأصبحت سوق العمل أكثر استقطاباً لفئات دون أخرى فيما تتعرض العمالة منخفضة الدخل والشباب والنساء إلى أشد الضرر. 

ومن المتوقع أن يزداد الفقراء فقراً مع تدهور الأحوال المعيشية لقرابة 90 مليون شخص في العام الجاري لتصل إلى مستوى الحرمان الشديد. ومن المرجح أن يكون مسار الخروج من هذه المحنة طويلاً وغير ممهد ومحفوفاً بدرجة عالية من عدم اليقين كما ترى دراسات البنك الدولي وصندوق النقد الدوليين التي تقول إنه من المرجح أن تخلف الجائحة ندوباً غائرة ممتدة الأثر على المدى المتوسط نظراً لأن أسواق العمل تستغرق وقتاً للتعافي، والاستثمار تعوقه أجواء عدم اليقين ومشكلات الميزانيات العمومية، كما أن ضياع فرص التعليم المدرسي يلحق الضرر برأس المال البشري. وبعد الانتعاش في عام 2021، من المتوقع أن يتباطأ النمو العالمي تدريجياً إلى حوالي 3,5% في المدى المتوسط. 

مع توقع تلك الدراسات، ازدياد خسائر الناتج التراكمية مقارنة بالمسار المتوقع قبل الجائحة من 11 تريليون دولار في 2020-2021 إلى 28 تريليون دولار على مدار الفترة من 2020 إلى 2025. ويمثل هذا أيضاً انتكاسة حادة لتحسين متوسط مستويات المعيشة عبر كل مجموعات البلدان. وهكذا بمقارنة بالعام الماضي، تتفق الدراسات على أنه من المتوقع أن تتحسن المؤشرات الاقتصادية عموماً خلال هذا العام. لكن سوق العمل تميل إلى التعافي متأخرة بعض الوقت بعد تحسن الوضع الاقتصادي. لذلك، فقد تظل أرقام التوظيف منخفضة طوال النصف الأول من هذا العام، حتى لو انتعش الاقتصاد. وبالتالي فإن الحكومات تحتاج إلى تطبيق سياسات فعالة لمنع هذا الوضع من أن يطول أكثر. ومع مرور الوقت، ومع ازدياد قوة التعافي، ينبغي أن تتحول السياسات إلى تيسير إعادة توزيع العمالة من القطاعات المرجح أن تنكمش في المدى الطويل (السفر) إلى القطاعات الآخذة في النمو (التجارة الإلكترونية). وينبغي دعم العمالة خلال هذه المرحلة من التعديلات بتحويلات لدعم الدخل، والتدريب التحويلي، وتعلُّم مهارات جديدة.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"