أيام مع «الوباء»

01:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

كل التوصيفات والتشبيهات التي تطلق على حالة مريض «كورونا»، تبدّدت مع أول إصابة، فلا هو زكام، ولا هو نزلة برد، ولا هو ألم في المفاصل، ولا هو «جريب» كما يحلو للبعض تسميته.
«كورونا»، حالة مختلفة كلياً عن كل ما سلف، وإن كان هو كل ذلك، وأضف إليها الكثير الكثير، من حرارة وفقدان حاستي الشم والتذوق، وحتى الإحساس بالجلد نفسه، كل هذا ستراه في أسبوع، وهل لك أن تتخيل قدرات جسمك على التعاطي مع كل هذه الأمراض دفعة واحدة.
«كورونا» لا يأتي لاثنين بالغطاء نفسه، بل هو فيروس لديه القدرة على أن يجمع 100 شخص، ليتحدث كل منهم عنه بطريقته، حتى بالكاد تتمكّن من أن تجمع أن هؤلاء الأشخاص أصيبوا بالمرض نفسه.
لـ«كورونا»، بحسب «الخبرة المكتسبة الآن»، وبحسب ما أخبرنا من أصيبوا، وقرأنا عن حالات، وسمعنا من أطباء، هو مرض مفصل لكل منّا، ويصيب كل واحد بحسب تاريخه المرضي وقدرته على المقاومة، ويكشف نقاط الضعف بكل قوة، فإن كان مريضه من ذوي البنية القوية، تعايش معه، وإن كان ذا بنية هزيلة، فسيتداعى جسمه معه كثيراً.
ما يزيد الطين بلة، عند مصاب «كورونا» أن آراء الأطباء ليست هي نفسها، فبعضهم ينصحك بالمضادات الحيوية، وآخر يقول: لا تقترب منها، واترك الفرصة لجسمك ليتعاطى مع الأمر بحرية كاملة، لتتشكل لديك مناعة قوية.. لكن ماذا لو سمعت كلام الأخير وهبط الفيروس إلى الرئة، واحتجت إلى التنفس الصناعي؟ وماذا لو زاد التهاب الرئة، ثم ألم المعدة والعظام؟
هل لدينا دواء معين يمكن أخذه عندما نصاب؟ بالتأكيد لا، فإن انتابك الصداع، فعليك بـ«البنادول»، وإن آلمتك عظامك، فعليك بكذا، وإن صك البرد جسدك، فعليك بكذا، وإن هبط على الرئة، فأنت وحظك.
إذاً نحن أمام وباء لا يعلم شرّه إلا الله، ومحظوظ من يصاب به وينجو، ومحظوظ أكثر من لم يصب به، فلا داعي لاختبار قدرات أجسادنا في التعاطي مع «مجهول»، بكل ما تعنيه الكلمة.
هل لنا أن نتصور بشاعة المرض أكثر، عندما نتخيل أننا قد نصبح قنابل موقوتة لأطفالنا وأهلنا وأصدقائنا، وكلما زاد قربنا منهم، زاد خطرنا عليهم، والأسوأ أن هذا المجهول ينخر بدنك وعظامك، ولا تعلم من أين وصلك أصلاً، وإلى من نقلته أنت.
إذاً، كل الأمر مؤذٍ بدنياً ونفسياً، ولا عليك إلا الردّ على اتصالات الأحبة لتطمئنهم، «عن بُعد»، نعم «عن بُعد» وعليك الآن أن تترك الأمر بأكمله لجسمك المسكين، ليهزم هذا المجهول.
هل التعود على السماع عن المرض، أنسانا الرعب الذي عشناه مطلع عام 2020، عندما شاهدنا توابيت المرضى أو الموت؟ هل نسينا الحظر، وبرامج التعقيم، ومنع التنقل والسفر؟ هل نسينا كم اشتقنا إلى أهلنا وأحبتنا؟ هل نسينا كم من حبيب وقريب مات بلا وداع؟
إذاً، فلنتذكر كل ذلك، ونبتعد، ونبتعد أكثر، ونقترب من مراكز التطعيم التي لولا جرعتها الأولى التي تلقيناها في 10 يناير لكانت العقبات أخطر وأكثر.
«كورونا» باتت نهايته قاب قوسين أو أدنى، وأملنا كله معلق بمصل، هو متوافر بين أيدينا؟ وفرته الإمارات لأبنائها فجعلتهم آمنين يغبطهم الآخرون، أكثر وأكثر، كما هي الحال على نعمة العيش فيها، والوباء سيبقى يزيد من دمارنا إذا لم نتعظ، ونتحصّن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مساعد مدير التحرير، رئيس قسم المحليات في صحيفة الخليج

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"