عادي

اللغة العربية تتلعثم على ألسنة الطلبة

00:20 صباحا
قراءة 7 دقائق
Video Url
1

تحقيق: إيمان سرور

حذر تربويون من تراجع وضعف اللغة العربية بين الشباب وطلبة المدارس، وابتعادهم عن التواصل بها، مشيرين إلى أن الإنسان في جوهره ليس سوى لغة وهوية، فاللغة هي فِكره ولسانه، كما أنها انتماؤه، وأن انصرافه عنها هو انصراف هذا الانتماء إلى فضاء آخر.
ويُعدّ المعلّم حجر الزاوية في العملية التعليميّة، حيث يحتلّ مكان الصدارة بين العوامل التي يتوقّف عليها نجاح التربية في بلوغ غاياتها، والوصول إلى مستويات رفيعة لأداء معلّمي اللغة العربيّة، مرهون بعوامل كثيرة، من أهمها انتقاء نوعيّة جيّدة منهم وحسن إعدادهم، وجودة تدريبهم، وتزويدهم بمهارات القرن الحادي والعشرين.

كما أن الأسرة هي المدرسة الأولى للنشء، وعن طريقها يتعلم الطالب أصول اللغة العربية وإتقانها، لذا يجب على الآباء الاستمرار في أداء دورهم في حماية الهوية الوطنية بتعزيز حب اللغة والتعامل بها وتنميتها في نفوس الأبناء منذ الصغر.
يتناول التحقيق الآتي أسباب تراجع طلابنا وابتعادهم عن لغتهم العربية، والحلول العملية التي تساعد في دعم وتطوير مناهج وأساليب تدريس هذه اللغة، حتى يتمتع الطالب بكفاءة لغوية عالية في لغته الأم، وكيفية الارتقاء بكافة جوانب تعليم اللغة العربية واستخداماتها في العلم والمعرفة والمجتمع والمدرسة والمنزل، باعتبار تعليم وتعلّم «العربية» مسؤولية فردية ومجتمعية يجب أن تغرس في نفوس الأبناء كقيمة أصيلة.
منحى متفائل
في البداية، يقول الدكتور علي عبدالقادر الحمادي، مدير جمعية حماية اللغة العربية في دولة الإمارات: «أنحو دائماً منحى التفاؤل وأتحفظ على مصطلحات مرعبة مثل ضياع اللغة العربية، فلغتنا العربية لم تضِع، الضائعون ثلة من الآخرين قصروا في حق لغتهم، وفي حق هويتهم، وهذا أمر يلمس في كل لغات العالم بما فيها اللغة العالمية الأولى، وما أراه وأؤمن به أن تسعى المؤسسات إلى ملامسة فكر القيادة الرشيدة، والعمل على مشروعات نوعية لترقية واقع اللغة العربية بنفس يحمل تفاؤلاً وإنجاز يقدم تقدماً».
ويضيف: إننا نشهد اهتماماً كبيراً بتعليم اللغة والتعرف على الثقافة العربية من الناطقين بغيرها، ويجب أن نركز في مدارسنا على تطوير أدوات ووسائل تعليم واستخدام اللغة العربية الفصيحة في أوساط الأجيال الشابة، والاستفادة من التقنيات ووسائل التواصل الحديثة بما يتناسب مع اهتماماتهم ومهاراتهم وميولهم، مشيراً إلى أننا نلمس اليوم تفاؤلاً بوجود فرص حقيقية لإحداث تغيير أساسي وعميق في طرائق تعليم اللغة العربية نظراً للاهتمام الكبير والدّعم الذي تحظى به هذه اللغة في دولتنا، وفي الكثير من بلاد الوطن العربي والوعي الجيد بأهمية الانتقال إلى مجتمعات تخلق المعرفة وتبدعها بلغتها الأمّ.
ويؤكد أن حماسنا للغة العربية ودفاعنا عنها وعملنا من أجلها لا يجب أن ينطلق من انطباعات وجدانية وحماسة آنيّة، وإنما لا بد من تتبع وضع اللغة العربية من خلال الإحصائيات والبيانات والدراسات العلمية الموثقة، والعمل على مشاريع علمية وبرامج تقدم إضافة للغة العربية وتطور من حضورها المجتمعي وأساليب تعليمها وآليات التفاعل معها وبها، وقد لمسنا اهتماماً من القيادة الرشيدة، حيث أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في العام 2019 منهجاً دراسياً متكاملاً للغة العربية عبر موقع «مدرسة» يضم 1000 فيديو تعليمي لكل المراحل الدراسية، وهذه المنصة ستثري لغة وثقافة طلبتنا في جميع مراحلهم الدراسية.
رمز الهوية
يقول الدكتور صالح الجرمي، استشاري تربوي، ومعلم مادة اللغة العربية لأكثر من 30 عاماً في مدارس أبوظبي: «اللغة العربية في أي جنس، ولدى أي قومية، تعتبر بمثابة رمز لهويتها وعنوانٌ لوجودها، ولكنني أنظر إليها اليوم وبكل صدق وأمانة نظرة نعيٍ وبكاءٍ على الأطلال على امتداد مساحة وجود الناطقين بها».
ويتابع:«نحن لم نفقد لغتنا العربية، فهي لغة محفوظة من رب العالمين، لكننا افتقدنا بريقها الخلّاب، الذي كان يشع بهاءً وجمالاً من حيث صحة القراءة والكتابة، وحسن الاستماع، وقدرة التحدث بطلاقة، وجزالة اللفظ، وحلاوة الأسلوب، ووصلنا إلى حقبةٍ لايستطيع أغلب الطلاب على اختلاف مراحلهم الدراسية من أرباب اللغة، قراءة بضع آيات من القرآن، أو من أي كتاب بطريقة سليمة، ولا كتابة بضعة أسطر دون عشرات الأخطاء اللغوية، كما أن البعض منهم لايستطيع التحدث شفاهاً وارتجالاً في أي موضوعٍ حيوي يلامس حتى أبسط مناحي حياتهم»
ويضيف أنه من خلال خبرته ومعايشته للغة العربية وتدريسها لطلابه طوال 30 عاماً، يمكنه القول إن توجهات الكثير من المدارس الخاصة في زمننا الحاضر والتي طغت فيها اللغات الأجنبية من حيث نصاب الحصص المخصص لتدريسها، أثَّر بشكل كبير في ضعف واضمحلال ثروة أبنائنا اللغوية في اللغة العربية، بعدما حاز الاهتمام باللغات الأخرى على حساب الاهتمام باللغة الأم، وقد نسيت تلك المدارس أن إتقان أي لغة أجنبية يحتاج في المقام الأول إلى إتقان اللغة الأم ( العربية) قراءةً وكتابة واستماعاً وتحدثاً.
ويقول، نرى اليوم واقعاً مختلفاً عمَّا ألفناه من قبل على الأقل على مستوى الماضي المنظور في وطننا العربي يوم أن كانت الاجتماعات تدار باللغة العربية، والسيرة الذاتية تكتب باللغة العربية والرسائل تطبع وتُتناول باللغة العربية، ولكنني لست متشائماً ولا سوداوياً، وكل ذلك يجعلني أتذكر وأذكر بالخير وأحث على الاقتداء بتوجيهات ومبادرات القيادة الرشيدة لدولة الإمارات، التي تشجع وتعمل دوماً على الاحتفاء والاهتمام بلغتنا العربية الجميلة وأخص بالذكر مبادرات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي  نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والذي يشجع ويدعم القراءة من خلال معارض الكتب المقامة سنوياً على أرض الدولة، وكذلك مبادرات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم التي تشجع على القراءة من خلال مسابقة عام القراءة على مستوى الوطن العربي، وكذلك مبادرات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي لايألو جهداً ولا مناسبة للغة العربية إلا ويوليها الاهتمام الكبير.
الدكتور ضرغام القرالة، موجه مقيم لمواد اللغة العربية، في مدارس أبوظبي - سابقاً- مشرف أكاديمي في إحدى مدارس أبوظبي الخاصة، يقول إن اللغة العربية، هي الجذر الذي تستمد منه أي أمة موروثها وتاريخها ووجودها، وهي الطاقة التي تبثها ليشع بها مستقبلها وتتشكل بها حضارتها وتطورها؛ لذا كان لزاماً الحفاظ عليها، والسعي لتعلمها، وهذه - بلا شك - مسؤولية أبناء اللغة، بعد أن علموا أنها المنبع للتواصل، والوعاء للعلم والمعرفة، والخيال للشاعر والأديب.
ويضيف، أن اللغة العربية أصبحت في الآونة الأخيرة تُحاط بتحديات جمة، كان من ضمنها، مدى التأثير عليها، ومدى قدرة أبناء اللغة على الحفاظ على موروثهم اللغوي وإصباغها للجيل القادم، فبقدر ما يكون هناك من مؤثرات في اللغة، وجب على أبناء اللغة والحريصين عليها علمهم بحاجتهم إلى قوة وضغط وعمل وإصرار لمواجهة تلك المعيقات، مشيراً إلى أن المجتمع والأسرة والمعلم هم المعنيون قبل كل شيء في تعزيز أهمية اللغة في داخل خلايا أبنائها، ووعيهم أن وجودهم مرهون بوجود اللغة والحفاظ عليها.
ويؤكد، أن تكون الأولوية القصوى للاهتمام بالصغار وبالذات للحلقة الأولى والمتمثل بتكثيف القراءة والاهتمام بالموروث اللغوي، وأن يتحد هذا الاهتمام مع الأسرة والمجتمع، ذلك أن الطفل يتعلم اللغة كما هو معلوم في المرحلة الأولى«مرحلة اللاوعي» وينتقل إلى مرحلة الوعي، ونقصد بها مرحلة الدراسة، مشيراً إلى أن الأسرة هي اللبنة الأولى التي يتم من خلالها تعلم الطفل للغته.
أثر التكنولوجيا
وحول انعكاس جائحة كورونا على التعليم يقول القرالة، أصبح هناك نوع جديد من التعليم الملزم للطلبة والمتمثل بالتعليم عن بعد، وكما كان للتكنولوجيا أثرها الواسع في التطور، كان لها أثر في ظواهر جديدة نشأت بين المجتمع والطلبة، أمالتهم عن لغتهم ومستوى كتابتهم، فغدت اللغة المحكية هي اللغة الدارجة في وسائل التواصل الاجتماعي.
حب اللغة
عمر مبارك الجنيبي، اختصاصي اجتماعي يقول إن الطالب يتعلم أصول اللغة وإتقانها من أسرته، وعلى الآباء الاستمرار في أداء دورهم في حماية الهوية الوطنية، بتعزيز حب اللغة والتعامل بها وتنميتها.
إهمال
تقول انتصار علي الظاهري - ولية أمر:«للأسف مستويات أبنائنا ضعيفة للغاية في اللغة العربية، بسبب إهمالها في مدارسنا، وطغيان اللغة الإنجليزية».
مريم حسن البلوشي، موظفة، تؤكد بأن اللغة العربية تمر بأزمة حقيقية سواء من ناحية التعليم أو المجتمع، فللأسف ليس هناك أي إحساس بأهميتها.
فيما تشير سهام العبد المنصوري، والدة طفلين في التعليم الأساسي، إلى أن اللغة العربية لم تعد خياراً وحيداً أمام الأهل في مجتمع تعددي وغني بالثقافات.
تقديم الحلول
ويوضح عمر فاروق جرتيلي، ولي أمر، أنه عندما يصل الأمر إلى ضعف اللغة العربيّة في نفوس أبنائها من الطلّاب والمعلّمين على السواء، يجب أن نبحث عن الأسباب وتقديم الحلول.
ويقول مصطفى صفوان نور، طالب جامعي إنه لا يستطيع التعبير عن نفسه باللغة العربية بسهولة.
وتشير منى محمد عفيف، طالبة جامعية، إلى أن اللغة العربية لم تعد خياراً مطروحاً في ظل مجتمع متعدد اللغات والثقافات.

دور المدرسة


للحفاظ على الموروث اللغوي لأبنائنا يقول الدكتور جمال شحود، معلم اللغة العربية، إنه يجب على المدارس الاهتمام بحصص التعبير وتعويد الطلاب على الصياغة الجيدة للأفكار وحسن ترتيبها، والتدريب على الكتابة الصحيحة من الناحية الإملائية واللغوية، بالإضافة إلى تنظيم المسابقات سواء في القراءة أو الكتابة من أجل إخراج أجيال قوية في مجال اللغة، واكتشاف المواهب الواعدة التي تستحق الصقل والتعهد لتحقق نجاحات في المستقبل، وإلزام المدارس الخاصة ( المنهاج الأجنبي) بالاهتمام بتدريس اللغة العربية، وتخصيص عدد حصص كاف لتدريس كافة أفرع اللغة المختلفة، وألا يكون الاهتمام باللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية، خصوصاً بعد اكتشاف ظهور أجيال جديدة ضعيفة في القراءة 


 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"