عادي

«بنجوين بلوم» الحب في مواجهة الألم

00:34 صباحا
قراءة 5 دقائق
Video Url
1
1
1

مارلين سلوم

«يستند إلى قصة واقعية»، عندما تقرأ هذه العبارة في مقدمة أي عمل سينمائي، تشعر بأنك اجتزت مرحلة أولى من التعارف والتواصل بين الفيلم وبينك، ومن خلالها ينجح الفيلم سلفاً في كسب تعاطفك ورغبتك في المشاهدة حتى النهاية، أياً كان النوع، أو المستوى. وإذا كان الفضول من جهة، وميل الجمهور من جهة ثانية للتعاطف مع القصص الحقيقية لأنها الأقرب إلى حياتهم وهمومهم ومشاعرهم، هما من أسباب نجاح هذه النوعية من الأعمال، فإن لفيلم «ازدهار البطريق» أو «بنجوين بلوم» أسباباً كثيرة إضافية تجعله من أجمل الأفلام التي يجب أن تحرص على مشاهدتها مع أسرتك، وهو من إنتاج «نتفليكس» التي بدأت عرضه حديثاً.

يجمع «بنجوين بلوم» بين سحرين كفيلين بجذب الجمهور كخطوة أولى، فهو مأخوذ عن كتاب يحمل الاسم نفسه تأليف كاميرون بلوم، وبرادلي تريفور جريف، كما يستند إلى قصة حقيقية حصلت للمؤلف بلوم وعائلته. من هنا انطلق المخرج جليندين إيفين بالعمل ليأخذنا إلى عالم فيه من الجمال ومتعة المشهد والصورة ما يوازي عمق المشاعر والمواقف الإنسانية وتقلبات الشخصيات هبوطاً، وصعوداً. وقدم ميلودراما واقعية مؤثرة، فيها من الألم والإحباطات الكثير، وفيها من الحب والعزيمة والإرادة أكثر.
وعلى الرغم من تركيبة «البطريق بلوم»، فإنها لا تزال قادرة على الإلهام والإعجاب بفضل بعض المرئيات المذهلة والعروض القوية، وبالتحديد من النجمة نعومي واتس. وعلى الرغم من أن مقدمة فيلم المخرج جليندين إيفين قد تبدو جذابة بشكل مستحيل، إلا أن هذه القصة حدثت بالفعل، كما هو مفصل في الكتاب.
لا شك في أن لكاتبي السيناريو هاري كريبس وشون جرانت دوراً مهماً في صياغة الكثير من التفاصيل، خصوصاً أن هذا الفيلم الإنساني الاجتماعي يعتمد على الحوار، علماً بأن هناك نوعين من الحوار فيه، حوار محكي، وآخر صامت ورمزي، وكلاهما مؤثر ويصل إلى قلبك مباشرة.
ثلاثي ظريف
القصة تنطلق بصوت الراوي نوا أي نوح (جريفين موراي جونستون) الذي يحرك هو الكاميرا كأنه يصور فيديو، ويعرفنا بوالدته سام بلوم (نعومي واتس) التي تحب المحيط وتعشق السباحة وركوب الأمواج، ويخبرنا أنها التقت بوالده كاميرون (أندرو لينكولن) على الشاطئ عندما كانا مراهقين ولم يفترقا منذ ذلك الوقت. الابن الأوسط روبن (فيليكس كاميرون)، والأصغر أولي (آبي كليفورد بار)، يشكلان مع نوا ثلاثياً ظريفاً، في عائلة شديدة الديناميكية والمرح، والصور التي التقطها كاميرون وهو مصور محترف، تعكس هذه الروح كأنها تاريخ من الذكريات الجميلة المعلقة على جدران المنزل، من كل مكان زارته الأسرة.
«كل شيء كان مثالياً حتى العام الماضي، حيث كان من المفترض أن نزور «ديزني لاند»، لكن والديّ اختارا أن نسافر إلى تايلاند. أكره العام الماضي (2013)»، بهذه الكلمات ينقلنا الطفل نوا إلى صلب المعضلة أو المأساة التي حلت بعائلة بلوم، وقلبت حياتها رأساً على عقب. المخرج يمشي مع النص، يبدأ بمقدمة منعشة مبهجة سريعة الحركة والتنقل بين المناطق والصور والضحكات، السباحة والسهر والألعاب النارية ومرح العائلة، إلى أن تصعد الأم خلف نوا إلى سطح الفندق ويتبعهما الأب لرؤية المنظر الجميل من فوق، فجأة ينكسر السور الخشبي فتسقط الأم وتنتهي الرحلة بمأساة، حيث أصيبت سام بنزيف في الدماغ وكسر في فقرتين من الظهر تسبب بشلل من منطقة الظهر والصدر إلى القدمين. 
أزمة نفسية
الكارثة قلبت حياة الأم الديناميكية التي كانت القدوة بالنسبة لزوجها وأبنائها، تشجعهم على كل شيء وتشاركهم في كل الأنشطة وسبق لها أن فازت في سباقات في السباحة.
سام انهارت، لكنها ليست الوحيدة التي تعيش أزمة نفسية، فزوجها يعاني، لكنه يظهر العكس ويتحمل مسؤولية كل شيء وحده، البيت والأولاد والمدرسة وعمله، بالإضافة إلى اعتنائه بزوجته الرافضة لكل شيء، بل تهرب من رؤية الناس والخروج من المنزل حتى ولو خطوات أمام الباب. وابنها نوا يعاني أزمة نفسية أيضاً، ولا يستطيع تقبّل وضع أمه، ويشعر بأنه هو السبب في ما حصل لها، لأنه طلب منها الصعود إلى سطح الفندق. جميل الحوار الذاتي الذي نسمعه من الابن أثناء تحليله ما حصل، فالملايين يزورون تايلاند كل عام، وكان بالإمكان أن يقع الحادث لأي منهم غير أمه، فلماذا انكسر السور لتقع هي تحديداً؟ يبحث عن إجابات، ويتمنى لو أنه كان مكان والدته في تلك اللحظة. قد تستغرب عنوان الفيلم، فهو عن البطريق، ولا ترى فيه أي بطريق. وفي الواقع، يجد نوا طائر غراب صغيراً وحيداً خائفاً على الشاطئ، يحمله مع أخويه وأبيه إلى البيت، فيكتشفون أنها أنثى، ويطلق نوا عليها اسم «بطريق» لأنها تحمل ألوانه نفسها. وإذا كانت حادثة سقوط سام شكلت منقلباً لحياة الأسرة، فإن وجود «بطريق» سيشكل نقلة أخرى تترك أثراً مهماً في الأم التي رفضت بداية الاقتراب من الطائر، إلى أن أجبرتها «بطريق» على التعامل معها، وعلمتها دروساً مهمة أخرجتها من أزمتها. لذلك يعتبر اسم «ازدهار البطريق» أو بمعنى أدق «انطلاق البطريق»، ملائماً جداً لما تعيشه سام وأنثى الغراب في آن، والانطلاقة الجديدة في حياة كل منهما، وانعكاسها على الأسرة.
رائع الصراع والحوار الذي يدور بين سام وزوجها، وبينها وابنها، مثل لحظة رفض كاميرون استسلامها وتحطيمها لكل صورها فسألها: تريدين محو وجودك وشخصيتك؟ أنت موجودة؛ فأجابته: لست موجودة، لست أنا، هذه إنسانة أخرى. ورائع أداء النجوم الأساسيين في العمل، نعومي واتس المقنعة جداً بيأسها وإحباطها ورفضها لذاتها ولرؤية الآخرين لها وهي على كرسي متحرك، وترتقي إلى مستوى الوجع الإنساني وليس فقط الجسدي، لتقدم أحد أجمل أدوارها. كذلك الطفل جريفين موراي جونستون بدور صعب احتاج إلى موهبة حقيقية وفهم لأبعاد الشخصية من الناحية النفسية، وهي انطلاقة قوية لجريفين في عالم التمثيل ستفتح له الأبواب أمام أعمال كثيرة، خصوصاً أنه يجيد الأداء بصمت والتعبير عبر ملامح الوجه والعينين. أما أندرو لينكولن، فهو الضلع الثالث المهم في هذا العمل، والذي لولاه لما اكتمل أداء نعومي وجريفين. لينكولن يؤدي دور كاميرون الذي فضل تسليط الضوء على أسرته أكثر من نفسه، والتعبير عن حالة زوجته وأبنائه أكثر، بينما لم يفجر غضبه وحقيقة مشاعره سوى في مشاهد قليلة ولكنها مؤثرة.
ميلودراما أسرية
لن نحرق الأحداث بالحديث عما تفعله أنثى الغراب «بطريق» بعائلة بلوم، وكيف تنتهي القصة، لأن الفيلم يستحق المشاهدة، يأسرك منذ اللحظة الأولى وتتشوق لمعرفة النهاية. ساعة و35 دقيقة من المشاعر، لا ملل فيها ولا فراغ، المخرج بارع في التصوير الداخلي والخارجي، يكثر من الرمزية لكنها في مكانها الصحيح، ليقدم ميلودراما تليق بالأسرة. قد يبدو الأمر مبالغاً فيه بالنسبة للتركيز على ذكاء الطائر، وكيف استطاعت أنثى الغراب توجيه المرأة في كثير من المواقف، وهي التي دفعتها إلى الخروج لأول مرة إلى الشمس والهواء، لكن المبالغة هنا غير منفرة، بل تعكس جانباً نفسياً مهماً. ومن مميزات المخرج أنه قدم لنا في نهاية الفيلم صوراً حقيقية لعائلة بلوم و«بطريق» في مختلف المراحل والأماكن.
 [email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"