حقيقتنا على قارعة الطريق

00:22 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

بعض المصطلحات نستخدمها يومياً من دون أن نفكر في ضبطها؛ بمعنى أن كل واحد منا ربما يردد مصطلحاً ما، للتعبير عن معنى كامن في عقله يختلف تماماً عما يقصده الآخرون، هذه الظاهرة عامة في السياسة والاقتصاد والثقافة، ولو تحاورنا حولها لوجدنا العشرات من تلك المصطلحات التي تحتاج إلى تحديد دقيق، وفي الوقت نفسه، هي ظاهرة تختزن بداخلها أحياناً ما نود إخفاءه أو السكوت عنه.

إذا أخذنا مثلاً، مصطلح الواقع الافتراضي، ماذا نعني به على وجه الدقة؟ يحيل المصطلح إلى الفرض، وهذا الأخير له دلالات في المنطق ويحيل إلى الاحتمالية أيضاً، في بعض العلوم، أما «الواقع الافتراضي» نفسه فيشير في المعاجم اللغوية والعلمية إلى الواقع التقريبي المتمثل في محاكاة واقع حقيقي أو متخيل يولده الحاسوب عبر مشاهد ثلاثية الأبعاد، من خلال أدوات بصرية خاصة.

وعندما نذهب إلى استخدام المصطلح في وسائل الإعلام المختلفة فسيقابلنا كثيراً، بمعنى كل ممارسة يقوم بها البشر على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، والاتصال المرئي عن بعد، وخاصة بعد جائحة كورونا، حيث أصبحنا نطلق على معظم الأنشطة «فعاليات افتراضية»؛ أي أن المعنى الرائج اختلف عن نظيره المعجمي، مع الأخذ في الاعتبار أن قلة من الكتاب باتت الآن توظفه بحيادية، مجرد تعبير لغوي، ولكن الأكثرية يمارسون من خلاله النقد اللاذع لذلك العالم الإلكتروني الزائف، فمعظم ما يدور عليه من وقائع وما يطرح فيه من معلومات لا يمكن التأكد منها، ومن هنا احتمالية وجوده نفسه.

إن نقاد الواقع الافتراضي لم يلتفتوا أبداً إلى فكرة المحاكاة، ولم يلتقطوا دلالتها، فالواقع الافتراضي بمعنى ما، منحنا عدسة مكبرة لم نستخدمها حتى الآن لرؤية واقعنا الحقيقي على «حقيقته»، فكل تلك العيوب المضخمة في الفضاء الإلكتروني، هي في الأصل مستنسخة من واقعنا حياتنا الملموسة، فمنذ متى لم نمارس الكذب، أو كانت معلوماتنا موثوقة بنسبة مئة في المئة. 

إننا عندما نتأمل الواقع الافتراضي في تجلياته كافة، سنجد له أصلاً صنعناه نحن: الصور النمطية، سوء الفهم، النميمة، «حوار الطرشان»، رفض الآخر والسخرية منه، الاهتمام بتوافه الأمور.. حتى المؤثرين في ذلك الفضاء ما هم إلا نسخة إلكترونية من مؤلفين أصدروا مئات الكتب في تنمية الذات كانت دائماً على رأس مبيعات الكتب في العالم كله.

لن يختفي الواقع الافتراضي أو يتراجع تأثيره، نحن نتمنى ذلك، رغبة منا في التطهر من أخطائنا في الواقع المعيش والتي باتت مرئية ومضخمة، وخرجت من الكتب وحتى اللاوعي الفردي، إلى قارعة الطريق، ولن يتحسن ذلك الواقع طالما لم نتوقف بجدية لمراجعة أفكارنا وتصرفاتنا في واقعنا الحقيقي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"