النفط بين البقاء والاضمحلال

00:15 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد *

تواجه صناعة النفط والغاز جملة من التحديات والعقبات، من بينها أسعار النفط المتقلبة التي بات يسيطر عليها منذ ما قبل جائحة كورونا، السوق ذو الاتجاه النزولي (يوصف السوق بالهابط حين يتعرض السوق لانخفاضات طويلة في الأسعار، تصل فيما خص الأوراق المالية إلى 20% أو أكثر من أعلى مستوياتها الأخيرة)؛ وفجوة المواهب الواسعة، وتدهور سمعة الوقود الأحفوري وبضمنه النفط بين مصادر الطاقة العالمية نتيجة للموجة العالمية العالية من الانحياز للطاقات المتجددة بسبب التغيرات المناخية التي يُحمّل الوقود الأحفوري المسؤولية الكبرى عن حدوثها جراء انبعاثاته المتزايدة من ثاني أكسيد الكربون. حتى أن أحد وزراء أوبك اضطر في أحد المنتديات في اليابان لدحض الفكرة التي يُروّج لها بأن القطاع ليس له مستقبل، مؤكداً أن النفط والغاز لن يفقدا مكانتهما قريباً، فما زالت الهيدروكربونات تزود البيوت والمركبات وكثيراً من مناحي الحياة اليومية بالطاقة؛ وأنه لا توجد بدائل مجدية للمنتجات البترولية الحيوية، بما في ذلك البتروكيماويات ومواد التشحيم. فالصناعة لا تحتضر، لكنها تتغير، وستستمر في التحور والتطور. 

وقد أحرز تقدم مهم على هذا الصعيد من جانب شركات النفط والغاز العالمية، التي ستواصل ضخ المزيد من الاستثمارات في مجال البحث والتطوير للحد من تأثير استخدام الطاقة، بما يشمل المساهمة في إنشاء مشاريع لمصادر طاقة أنظف، وتحسين أداء الهيدروكربونات لتقليل تأثيرها البيئي والمناخي. ومع تزايد الضغوط للحد من انبعاثات الكربون، تسرع هذه الشركات، الخطى لزيادة استثماراتها في التقنيات الجديدة لمواجهة آثار انبعاثات الكربون الخاصة بها، خصوصاً في مجال تكنولوجيا احتجاز الكربون الذي أحرزت فيه الشركات النفطية تقدماً لافتاً؛ حيث يتم عزل الكربون المنبعث أو استخدامه في عمليات الشركات النفطية.

وإذا كان هذا صحيحاً، فإنه لا يقلل بأي حال من الأحوال من التحديات الجسيمة التي تواجه اليوم الصناعة البترولية. وكنا قد عرضنا في المقال السابق لبعض المؤشرات الدالة على الصعوبات والتحديات الجديدة التي بات يعانيها الوقود الأحفوري، لاسيما الفحم والنفط، ليس فقط بسبب جائحة كورونا وانحسار الطلب العالمي على مصادر الطاقة وبضمنها النفط، وإنما نتيجة للصعود المتواصل لمنافس الوقود الأحفوري القوي، وهو الطاقة المتجددة، لاسيما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، اللتان كان تأثرهما بالجائحة، طفيفاً، قياساً بالوقود الأحفوري؛ وهو ما دفع بعض علماء الاقتصاد المستدام والبيئة والمناخ، في الأوساط الأكاديمية والأوساط البترولية في الولايات المتحدة وأوروبا، للاعتقاد (وبعضهم للجزم)، بأن لحظة اضمحلال عصر النفط، قد أزفت.

والحال، أنه ما عاد سراً أو ضرباً من التكهن، بأن الوقود الأحفوري، وخصوصاً الفحم والنفط، تنتظرهما أيام صعبة للغاية، وهما يكابدان من أجل تخفيف الضغط الواقع عليهما في أسواق الطاقة العالمية، وتقليل أضرار تآكل حصتهما في هذه الأسواق لصالح مصادر الطاقة الصاعدة، لاسيما الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وهو ما ينطبق علينا بطبيعة الحال، كدول نفطية، يتعين عليها مسابقة الوقت لتقليل الأضرار الناتجة عن هذا الاتجاه الواضح لمسار قطاع الطاقة العالمي.

بيد أن لمنتجي النفط رأي آخر؛ ذلك أن معظم الدول البترولية في العالم، وبضمنها بلداننا العربية، شأنها في ذلك شأن بقية بلدان النفط في العالم، مع بعض الاستثناءات، ما زالت تنظر إلى الطاقات المتجددة، كمنافس طارئ غير مرحب به في سوق الطاقة العالمي. وهي لذلك، ليست متحمسة للاتجاه العالمي الذاهب نحو تعظيم دور ومساهمة الطاقات المتجددة على حساب مصادر الطاقات التقليدية؛ مثلما أنها ما زالت تراهن على أن النفط سيبقى المصدر الرئيسي لتوليد الطاقة في العالم على مدى السنوات العشرين القادمة على الأقل، وهو ما تقوله، على أية حال، كبريات شركات النفط العالمية، وبعض مراكز الأبحاث البترولية العالمية.

وتأكيداً لهذا الرهان الطاقوي المستقبلي، فقد ذهب تقرير «الآفاق العالمية للنفط حتى عام 2040»، الذي أصدرته منظمة الأقطار المصدرة للبترول «أوبك» عام 2017، إلى أن معدلات نمو السكان في العالم، تتزايد باستمرار، ما يبرر توقعات بتزايد الطلب على الطاقة بما يقارب 100 مليون برميل من النفط يومياً بين عامي 2015 و2040. وإنه من المتوقع أن تشهد مصادر الطاقة المتجددة، أعلى معدل نمو سنوي يصل إلى 6.8% سنوياً. ومع ذلك فإن حصتها الإجمالية من مزيج الطاقة، لن تزيد – حسب توقعات التقرير – عن 5.4% فقط، بسبب قاعدتها الأولية المنخفضة. ومع أنه من المتوقع أن يشهد النفط انخفاضاً في حصته من مزيج الطاقة خلال فترة التنبؤ، إلا أنه من المتوقع أيضاً أن يظل الوقود صاحب الحصة الأكبر في مزيج الطاقة، بما يزيد قليلاً على 27% بحلول عام 2040؛ فيما ستزيد حصة الغاز الطبيعي خلال نفس الفترة، لتصل إلى 25%. وهذا يعني أن النفط والغاز مجتمعين، سيضطلعان بحصة تبلغ 52% من مزيج الطاقة العالمي بحلول عام 2040.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"