خارطة طريق جديدة

01:04 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

تمضي ليبيا على طريق التسوية السياسية بعدما توصل ملتقى الحوار الذي رعته الأمم المتحدة إلى اتفاق، تمثل باختيار محمد المنفي رئيساً للمجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة رئيساً لحكومة الوحدة، كما تم اختيار كل من موسى الكوني وعبد الله اللافي لعضوية المجلس الرئاسي. هذا الاتفاق الذي شكل نقطة فارقة لرسم المستقبل السياسي في ليبيا جاء بعد مفاوضات مضنية في جنيف، وعثرات كادت أن تعيد الأمور إلى نقطة الصفر، ويأتي أيضاً بعدما رويت ليبيا بدماء أبنائها الذين قضوا نتيجة صراعات لم تزد البلاد إلا تشظياً، فضلاً عن تدخل أياد طامعة سعياً لإيجاد موطئ قدم فيها لامتصاص ثرواتها.

 الاتفاق وضع ليبيا على المسار الصحيح الذي انتظرته طويلاً، حيث وصفته المبعوثة الأممية إلى ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز بالتاريخي. ورغم حالة التشاؤم التي اعترت الوسطاء الأمميين في الجولات السابقة إلا أن هذه المرة كانت مختلفة من حيث النتائج المرضية للأطراف كافة، فستيفاني رأت أن «السياسيين قطعوا شوطاً طويلاً وتجاوزوا خلافاتهم لصالح بلدهم»، وتصريحها هذا ومضة تفاؤل لما سيؤول إليه الحال لصالح الاستقرار لاحقاً.

 لكن الطريق ليس معبداً بالورود، فثمة تحديات جمة تقع على عاتق المجلس الرئاسي والحكومة، إذ يتعين على رئيس الوزراء المكلف أن يقدم حكومته وبرنامج عملها خلال 21 يوماً، ثم التحضير للانتخابات الوطنية المرتقبة في 24 ديسمبر، وهذا يعني أنهما أمام مهمة إرضاء الأطراف كافة، وجمع كلمتهم على صيغة مشتركة، حتى ينجحا في أداء مهامهما في ظل الظروف الصعبة، حيث يتطلب تجاوز هذه المرحلة معجزة لن تتحقق إلا باجتماع الكلمة.

 لكن تسيير المرحلة الانتقالية ليس مسؤولية الحكومة والمجلس وحدهما، بل إن الأقطاب جميعاً مطالبون بتسهيل عملهما وتحمل مسؤولية إحلال السلام، كما يقع على عاتق هؤلاء الأقطاب عزل الميليشيات الرافضة للانضواء تحت راية الاتفاق، التي لا تتوانى عن تأجيج الأوضاع الأمنية، تارة بشن عمليات عسكرية لإشعال فتيل الصراع مجدداً، وأخرى بإدخال أطراف خارجية في الأزمة.

 ويبقى التحدي الأبرز متمثلاً بمنع التدخلات الخارجية، ووقف تدفق المرتزقة الذين يُزج بهم في أتون المعارك لتنفيذ أجندات بعيدة كل البعد عن مصلحة الليبيين، فهذه النقطة الحاسمة هي المؤشر الذي يقاس من خلاله مدى نجاح أي اتفاق سياسي، إذ إن استمرار التدخلات الخارجية العسكرية يعني أن أي توافق مستقبلي لن يكتب له النجاح، لأن هدير المدافع كفيل بإفشال أي تقدم، وهذا ما تطمح إليه الأيادي العابثة، التي ترى في الثروات الليبية غنيمة لإنعاش اقتصادها المنهار؛ بل ورغم الاتفاق فإن تركيا، التي زجت بآلاف المقاتلين في الصراع، أعلنت أنها ستبقي على تواجدها العسكري في البلاد، رغم الإجماع المحلي والإقليمي والعالمي على رفض هذه التدخلات.

 ليبيا بحاجة إلى المضي بخارطة الطريق نحو بناء جيش موحد، وحكومة سياسية منتخبة تسيطر على كل جغرافيا البلاد، والبدء من الصفر في إنعاش البلاد لتستعيد مكانتها كدولة مستقلة ذات سيادة قادرة على تقرير مصير شعبها وإيصاله إلى بر الأمان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"