ملفات المستقبل..خمسة اتجاهات تشكل السنوات الخمسين المقبلة

00:14 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. علي توفيق الصادق *

عنوان هذا المقال هو عنوان كتاب للكاتب الانجليزي ريتشارد واتسون، نشر في طبعته الأولى في عام 2008. وفي الكتاب تساؤلات كثيرة مثل: هل ستصبح الآلات أكثر ذكاءً من البشر وقادرة على قراءة أفكارهم؟ هل يتم تحسين الذاكرة بتناول حبة دواء أو بمنديل مبلل يمحو يوماً سيئاً؟ هل ستتحدث الأطعمة الموجودة في الثلاجة مع بعضها بعضاً باستخدام موجات الراديو؟ هل سنشعر بأمان أكثر إذا كان باب المنزل يخبرنا ما إذا كان الشخص الذي يطرق الباب غريباً؟

يرصد ريتشارد واتسون اتجاهات وتغيرات محتملة كثيرة في الخمسين سنة المقبلة، حيث يدرس الأنماط والتطورات الناشئة في المجتمع، والتكنولوجيا، والاقتصاد، والإعلام، والرعاية الصحية، والأعمال التجارية. ويسلط الكاتب الضوء على أهم 5 محركات للتغيير على مدى الخمسين عاماً المقبلة، وهي: الشيخوخة، وتحول القوة نحو الشرق، والاتصال العالمي (connectivity)، وتقنيات GRIN (الجينات الوراثية، والروبوتات، والإنترنت، والنانو التكنولوجي)، والبيئة. ونستعرض يإيجاز أهم السمات التي رسمها واتسون لكل من محركات التغيير الخمسة.

الشيخوخة: في الولايات المتحدة الأمريكية يوجد شخص يحتفل بعيد ميلاده الخمسين كل 8 ثوانٍ، ومع ذلك لا تزال الشركات تركز على الشباب. وفي اليابان، من المتوقع أن تزداد النسبة المئوية للأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 75 عاماً بنسبة 36٪ بين عامي 2005-2015؛ والنسبة المئوية للزيادة في الضرائب المطلوبة للحفاظ على مستويات المزايا الحالية للجيل القادم هي اكبر من 175٪. وتشمل الآثار المترتبة على هذا التحول الديموغرافي رفع الإنفاق على الأدوية التي وصلت بالفعل إلى مستويات قياسية، إضافة إلى الاهتمام العام بقضايا مثل الرفاهية وسياحة الطب وتخطيط الرعاية الصحية. كما سيتغير نوع الأمراض والجراحة التي سنشهدها في المستقبل. ويتوقع واتسون المزيد من دولارات البحث والتطوير التي يتم وضعها وراء مجالات مثل استعادة الذاكرة واستبدال أجزاء الجسم البالية.

تحول القوة نحو الشرق: مراكز القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية تتحول من الغرب إلى الشرق. وعلى سبيل المثال، من المتوقع أن يصل الإنفاق الاستهلاكي في الصين إلى 2.2 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2025. وفي الوقت نفسه، تمتلك السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر وعُمان استثمارات رأسمالية بقيمة تريليون دولار في خط الأنابيب، وقد يتضاعف هذا المبلغ، أو يزيد ثلاثة أضعاف في العقد المقبل. النقطة هنا هي أن الأسواق الناشئة مثل الصين والهند لم تعد مجرد مصادر للعرض والطلب الرخيصين. هناك بشكل متزايد محاور عالمية لرؤوس الأموال وستصبح مراكز مهمة للابتكار الأولي. 

وبالمثل، سنرى شركات من الصين والهند والشرق الأوسط تشتري الشركات الغربية والبنية التحتية؛ ويمكن أن يحدث الشيء نفسه مع شركات من روسيا والبرازيل، والمكسيك، وباكستان. وإحدى النتائج الأخرى للنمو في هذه المناطق هي أن الطلب على الموارد الطبيعية سيستمر في النمو، متجاوزاً العرض في كثير من الحالات. هذا بالطبع بافتراض أن هذه الدول لا تتخذ قراراً يهوي باقتصادها، أو تدمر نفسها لأسباب اجتماعية سياسية.

الاتصال العالمي: تؤدي زيادة الاتصال الناتجة عن التكنولوجيا، وإلغاء القيود، وانخفاض تكلفة السفر والهجرة، إلى تغيير طريقة عيش الناس، وكيفية عملهم، وكيفية تفكيرهم. وعلى سبيل المثال، مليار من البشر متصلون بالإنترنت بالفعل، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم في غضون عقد، أو نحو ذلك. هناك أيضاً 2.5 مليار يتحدثون مع بعضهم بعضاً على الهواتف المحمولة، ويعيش 13٪ من سكان العالم في مكان آخر غير البلد الذي ولدوا فيه.

GRIN (تشير GRIN إلى علم الوراثة والروبوتات والإنترنت وتكنولوجيا النانو): ستكون الآلات هي السمة الغالبة في المستقبل. وستصبح أجهزة الكمبيوتر في النهاية أكثر ذكاءً من البشر، وعند هذه النقطة ستواجه البشرية نوعاً من المعضلة. وإذا كانت الآلات أكثر ذكاءً من صانعيها، فما الذي يمنعهم من تولي زمام الأمور؟ هذا بالطبع يتطلب عنصراً من الوعي الذاتي، لكن المستحيل ليس شيئاً في المستقبل. الجانب الآخر المثير للاهتمام في هذه القضية هو تقارب الحوسبة مع الروبوتات وتكنولوجيا النانو، ما قد يؤدي إلى ظهور آلات ذاتية الاستبدال. أضف إلى ذلك إمكانية ليس تنزيل الذكاء البشري في آلة فقط، ولكن إضافة الوعي البشري أيضاً.

البيئة: من الصعب عدم ذكر القضايا البيئية مثل تغير المناخ والاحتباس الحراري في سياق الاتجاهات الهامة في الخمسين سنة القادمة. بينما يؤثر المناخ ويستمر في التأثير في طريقة تفكير الحكومات والشركات والأفراد وتصرفها. ويقترح واتسون أن المناخ مصدر قلق حالي ولكن هذا قد يتغير بسرعة كبيرة إذا ظهر تهديد عالمي فوري، مثل انهيار اقتصادي، أو جائحة إنفلونزا. وبالمثل، فإننا نواجه مشكلات أخرى بما في ذلك ذروة النفط، وذروة الفحم، وذروة الغاز، وذروة اليورانيوم، وذروة المياه، وحتى ذروة الأشخاص (نقص حاد في العمال في أجزاء كثيرة من العالم). ولا تمثل الطبيعة المحدودة للموارد الطبيعية مشكلة بالضرورة، على الرغم من أنها تتطلب تحولاً عميقاً في السلوك للتغلب عليها.

* مدير معهد السياسات الاقتصادية بصندوق النقد العربي سابقاً

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

خبير مالي وإقتصادي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"