عادي

نصـوص لا تثيـر اهتمـام القـارئ

21:53 مساء
قراءة 5 دقائق
1

استطلاع: نجاة الفارس

يؤكد عدد من المترجمين أن معدلات الترجمة العربية متدنية نوعاً ما، موضحين في استطلاع ل«الخليج» أن أبرز إشكاليات الترجمة تكمن في عدم التأني في انتقاء المفردات المناسبة، واللجوء للحرفية، وكذلك اختيار نصوص لا تستثير اهتمام القارئ، والافتقار إلى استراتيجية واضحة للترجمة.

 الدكتورة وصال العلاق، مترجمة شعر، تقول: قد يعتبر عدد الكتب المترجمة مؤشراً على التقدم الثقافي في هذا البلد أو ذاك، ولكنه ليس المعيار الوحيد الذي يؤخذ بالحسبان، فهناك عدة عناصر يجب أن ينظر بشأنها: قيمة الأعمال الأدبية أو العلمية، وعدد قُراء تلك الأعمال. 

وتذكر أن ازدهار الترجمة في العالم العربي لا يتعلق، بعدد الأعمال التي نُقِلت من اللغات الأخرى وحسب، وإنما بمدى أهمية النص أو الكتاب المترجم وتأثيره الإيجابي في القارئ المستهدف، وبالتالي في المجتمع الذي ينتمي إليه، فما الفائدة من ترجمة كمٍّ هائلٍ من الأعمال التي لا تثري عقل القارئ ولا تزوده بمعرفة قيّمة؟، ومن ناحية أخرى، كيف يتصدّى، مثلاً، مترجم يفتقر إلى الموهبة والإحساس العالي باللغة الشعرية إلى عشرات الدواوين من الشعر العالمي؟ إذ لا بد من مترجم موهوب يمكنه أن يطوّع لغته؛ كي تستوعب ما يكمن في النص الأصلي من مخيلة فذة وجماليات تختلف في مجملها عن العربية لغةً وثقافة. 

وتضيف، إذا كانت عوامل تأويل النص وفهمه تعتمد على كل من المؤلف والنص والقارئ، فكل قراءة جديدة للنص تفضي إلى تأويل جديد له، والترجمة إذاً، تأويل للنص الأصلي، كما أن هدف المترجم نقل معنى النص الأصلي إلى القارئ المستهدف، سواء أكان عملاً علمياً أو أدبياً.

وترى العلاق أن أهم المشاكل التي تواجه الترجمة حالياً هي: أولاً عدم التأني في انتقاء التعابير المناسبة، أو اللجوء إلى الحرفية، خصوصاً إن كان النص عصيّاً على الترجمة، بدل الأخذ بمكنونات النص وإيحاءاته، فبدل أن تكون الترجمة عملية إبداعية، يوظف المترجم من خلالها إحساسه وموهبته في تجربة خلق جديدة، يختار أول ما يتوارد إلى ذهنه من مصطلحات معجمية، وغالباً ما تكون النتيجة نصاً ركيكاً يفتقر إلى التلقائية والسلاسة، المشكلة الثانية هي اختيار نصوص لا تستثير اهتمام القارئ، فقد تكون نصوصاً تغلب عليها أيديولوجيا لا تمتّ للقارئ بصلة أو تثير اهتمامه، أو قد تكون نصوصاً تفتقر إلى المضمون القيّم، أوأنها ليست أهم ما صدر في المجال الذي تنتمي إليه.

خبرات وتجارب

 الدكتور إياد عبد المجيد، باحث وناقد، يقول: تتبادل الأمم خبراتها وعلومها ومعارفها من خلال الترجمة، فهي أساس نهضة الأمم، ومن خلالها يحدث التبادل الثقافي، وتمتد الجسور الإنسانية، ويتعرف الناس إلى الثقافات المختلفة، وبالأهم إلى إنسانيتهم، وقد ترجم ابن رشد في حضارتنا العربية من قبل أعمال أرسطو وأفلاطون، وفي العصر الحديث حين ترجم كتاب «الاستشراق» لأدوارد سعيد، كان الهدف يكمن في إظهار قيمة الشرق أيضاً كمنتج فكري استفاد منه الغرب الذي وضعه في صورة نمطية، ومارس معه الاستغلال والاستعباد، وفرض عليه الجهل، ومن ثم نهب ثرواته، الترجمة اليوم قادرة على تصحيح المفاهيم، ومعرفة ما يفكر به أعداؤنا، فلعلهم يكونون يوماً ما شركاء في صنع غدٍ أفضل للإنسان.

ويتابع عبد المجيد فإذا علمنا طبيعة المحرك لفعل الترجمة استطعنا أن نحدد مجالات الترجمة التي يمكن التخطيط للاستفادة منها في أي مشروع حضاري طموح لأمتنا، نحن نحتاج إلى الترجمة اليوم؛ للوقوف على إبداعات الآخرين في الأمم الأخرى؛ لأنها ليست رفاهية تسكن في معرفة لغة أجنبية للتعامل اليومي، ولكنها امتزاج حضارتين في بوتقة واحدة .

مشروعات

 الدكتور الفارس علي، أكاديمي ومترجم، يقول: على الرغم من الأرقام المتواضعة المعلنة عن أعداد الكتب المترجمة في العالم العربي، فإنني لا أزال متفائلًا بواقع الترجمة، وآفاقها في عالمنا العربي، وذلك لعدة أسباب: أولها تكاثر عدد مؤسسات الترجمة وهيئاتها على امتداد العالم العربي كله، ونستطيع أن ننوّه هنا بمشروعات راسخة وواعدة في الترجمة، مثل: مشروع المركز القومي للترجمة في مصر؛ حيث احتفل في العشرية الأولى من هذا القرن بإصداره الكتاب الألف، وهدف إلى الخروج من أسر المركزية الأوروبية وهيمنة اللغتين الإنجليزية والفرنسية، والانفتاح على اللغات الشرقية ذات الصلات التاريخية المهمة باللغة العربية كالتركية والفارسية، والكثير من اللغات الشرقية، وكذلك مشروع «كلمة» في دائرة الثقافة والسياحة- أبوظبي، وهي مبادرة مستقلة أطلقتها الدائرة، وهو مشروع طموح غير هادف للربح، ويتوخى إحياء عملية الترجمة في العالم العربي، وقد بلغ عدد إصداراته حتى عام 2019 ألف كتاب مترجم عن معظم لغات العالم، وكذلك برنامج «ترجم»، الذي تشرف عليه مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، ويسعى إلى توفير زخم جديد لحركة الترجمة، يرتقي بها كمّاً ونوعاً، وغير ذلك من المشروعات التي تموج بها الحركة الثقافية في العالم العربي بطوله وعرضه، والسبب الثاني: أن الجامعات العربية دخلت مجال الترجمة، وزاحمت هذه المشروعات والمبادرات، وتعمل على نشرها. والسبب الثالث تلك الجوائز التي تخصصها الهيئات الثقافية للأعمال المترجمة المتميزة، لكل ذلك أشعر أن الحركة الثقافية تشهد، وستظل، نشاطاً في مجال الترجمة لم تشهد له مثيلاً منذ حقبة الخلافة العباسية.

إشكاليات

 الدكتورة إليازية خليفة، مؤسس ومدير الفلك للترجمة والنشر، تقول: على الرغم من المبادرات الحكومية والخاصة الفردية لرفع مستوى المحتوى المترجم في قطاع النشر، فإننا نفتقر إلى استراتيجية واضحة على المستوى الحكومي والخاص على حد سواء، مما يتسبب في هدر الإمكانيات المادية للناشرين، والعملية للمترجمين.

وتلفت إلى أن الإشكالية الرئيسية في الترجمة والنشر تعود إلى الضغط الذي يشكله الموزّع في حلقة صناعة النشر، وهذا الضغط يؤثر في اختيارات الناشر للمادة المترجمة، وبالتالي في المحتوى المنتقى للقارئ العربي، وعلى الناشر المتخصص في الترجمة أن يضع خطته أولاً لتغطية موضوعات معينة، وإن كانت مستحدثة ولم يسبق طرحها للترجمة والنشر كمحتوى للقارئ العربي، وهذه ليست مجازفة عمياء، وإنما هي فتح لأبواب معرفة جديدة للقارئ، ومع الوقت يتميز هذا العمل، وتتضح أهمية هذه الترجمات.

دعوة للأمل

 منى خالد العلمي، مترجمة، تقول: يعتبر حجم الأعمال المترجمة من وإلى اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية قليلاً مقارنة باللغات الأخرى، إلا أنه لا يزال هناك ما يدعو للأمل، في ظل وجود عدد من المبادرات المؤسسية لدعم اللغة العربية والترجمة والنشر في الإمارات. ولا شك أن الإقبال يتزايد على قراءة الأعمال المترجمة إلى اللغة العربية، بفضل المنصات الإلكترونية، وتصاعد وسائل التواصل الاجتماعي التي تتيح الترويج لهذه الأعمال وتسليط الضوء عليها، ولتعزيز ذلك الاتجاه يجب إيلاء مزيد من الاهتمام لتدريب المترجمين والخريجين الجدد للارتقاء بجودة المادة المترجمة ودقتها وقيمتها المعرفية والفكرية، ولتمكينهم من تجاوز أهم إشكاليات الترجمة.

لعبة العصر

 الدكتور شاكر حسن راضي، أكاديمي ومترجم، يقول: لا أظن أن هناك مترجماً عربياً راضياً عن مسار حركة الترجمة في العالم العربي، وهي حركة تتصف بالتخلف والانقسام وغياب التخطيط العلمي والمحسوبية . 

لقد توقفت منذ زمن طويل عن ترجمة الأعمال الأدبية؛ لأني وجدت أن ما يدفع للمترجم لا يناسب جهده ومعاناته. ولو دققت في ترجمة الكثير من الروايات العربية إلى الإنجليزية لوجدت أخطاء مخجلة، لكن مطربة الحي لا تطرب، فكيف تنشط حركة الترجمة في سوق لا تفتح المجال أمام مواطنيها كي يتقنوا اللغات المختلفة. ولقد أثبتت التجارب، أن المترجم الفوري والتحريري المحلي، والعربي، متمكن لكن السوق تفرض شروطها، ولا تنسَ دخول الترجمة الإلكترونية وهيمنتها على السوق وقبول الكثير من الناس لما يمكن أن أسميه بلعبة العصر الرقمي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"