وسطاء التبادل الثقافي

22:49 مساء
قراءة دقيقتين

د. باسمة يونس

اكتسب العالم صفة القرية العالمية، وأصبحت الحاجة إلى الترجمة تأتي مباشرة من الحاجة إلى التواصل، ولإرسال أفكار المجتمعات المختلفة إلى مجتمعات أخرى؛ وهو ما يجعلها تساعد أولاً في حل مشكلة سوء الفهم، وإلغاء الحواجز اللغوية، وتكون وسيلة لا غنى عنها للتواصل والتنمية الوطنية؛ بصفتها هوية الشعب. وشهدت الترجمة تحولاً بعيداً عن مجرد اعتبار النصوص نتاجاً لعملية الترجمة نحو رؤية الترجمة كممارسة اجتماعية ومهنة إبداعية تتطلب تعاون العديد من الوكلاء. ولكي نتمكن من الوصول بالترجمة الأدبية لتصبح صناعة إبداعية منتجة بالكامل، يجب أن تكون مصدراً رئيسياً لدخل ممارسيها من المترجمين المحترفين والمؤهلين، والذين لا يعملون لمجرد العمل؛ بل يجذبون بأعمالهم الاحترام العام للمهنة، باعتبارهم وسطاء ثقافيين رفيعي المستوى.

ولأن الترجمة عموماً وسيط أساسي في التبادل الثقافي والأدبي العالمي يشغل المترجمون موقعاً مشابهاً لسوق العملات، فهي في أفضل حالاتها ترفع مستوى التبادل الثقافي، وفي أسوأ حالاتها تعيق تدفق الأفكار وتبادلها. ومهمة المترجم الأدبي لا تتوقف عند القيام بالترجمة أو التفكير في ما تتم ترجمته، ولكن في تحويل عمل ثقافي ذي خصوصية معقدة إلى عمل يمكن فهمه وتبادل أفكاره مع الآخرين. ويكفي أنه أثناء سعي المترجم لنقل فن المؤلف الأصلي، يواجه عقبات عدة، وعلى رأسها خيانة النص الأصلي أو التدخل في طبيعته، ما يشكل تحدياً كبيراً للمترجم، ويجعل مهنة الترجمة من المهن الصعبة الجديرة بالاهتمام والتقدير.

وعلى الرغم من إحراز تقدم كبير في السنوات الأخيرة في تصميم البرمجيات التي يستخدمها اليوم المترجمون وشركات الترجمة بشكل متكرر فإن هذه التطورات لم تقلل من المشكلات النظرية والعملية في عملية الترجمة التي يقوم بها العقل البشري، فلا تزال الترجمة الأدبية على وجه الخصوص، مثيرة للجدل كما كانت دائماً. وعلى الرغم من أن الترجمة ليست وليدة العصر فإن هناك نقصاً في الوعي بمستوى الخبرة اللازمة للترجمة، وبتقدير مهنة الترجمة التي تحتاج إلى مزيد من الجهد؛ لتأسيسها كمهنة حقيقية تفرض على ممتهنها السعي من أجل تطوير نفسه مهنياً، وعدم النظر إليها كعمل إضافي فقط.

وتواجه مهنة الترجمة تحديات على رأسها عدم حصول المترجمين على دعم مالي أو معنوي كبيرين، كما لا يحظى المترجمون بما يحظى به الكتّاب من اهتمام، إضافة إلى عدم وجود معايير لدخول مجال الترجمة الإبداعية، فضلاً عن تهميش المترجمين من قبل جزء كبير من المجتمع الذي لا يعترف بالترجمة كمهنة راسخة كالكتابة أو الصحافة ولا تتمتع بنفس الشعبية التي يتمتع بها الموسيقيون والشعراء وصانعو الأفلام على سبيل المثال.

ويمثل الافتقار إلى وجود وكلاء ترجمة عقبة أمام تطوير المهنة، كما يعتبر أغلب المترجمين المسؤولية الوحيدة للمترجم هي إنتاج نص بلغة ثانية، من دون أن يكونوا على دراية أحياناً بقضايا النقل الثقافي وانتهاكاته أو بأن المترجم وسيط مهم؛ بل من أهم الدبلوماسيين بين الثقافات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"