كيف نستعد من الآن لما بعد النفط؟

22:08 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد *

إذا ما استثنينا الإمارات والسعودية، فإنه يتعين على بقية بلداننا الخليجية التخلي عن التردد، وإدراج الطاقات المتجددة ضمن استراتيجيتها الاقتصادية الكلية
ما بين الآراء المختلفة، التي تتراوح بين الجزم والتوقع، بأن عمر النفط بات أقصر مما كان يُتوقع، وأن وزنه في مزيج الطاقة العالمي، سيتراجع إلى أدنى مستوى له بحلول عام 2030؛ وبين الآراء الأخرى المغايرة، خصوصاً منها الصادرة من كبار منتجي النفط، من شركات نفط وطنية وشركات نفط عالمية وائتلافات منتجي النفط العالميين، القائلة بأن النفط سيبقى محافظاً على حصته في ميزان الطاقة العالمي عند نسبة 27% حتى عام 2040 على أقل تقدير، وإن الطاقات المتجددة لن تتمكن من إزاحته من موقعه رغم التقدم الكبير الذي تحرزه بدعم هائل من لوبياتها المستفيدة من أجواء مفاوضات تغير المناخ الضاغطة بقوة على الوقود الأحفوري – ما بين هذه الآراء المتباينة، كان لابد أن تنشأ فجوة من الشك واللا يقين، يُفترض أن تشكل حافزاً للتحوط أمام ما يسمى بمفاجآت اللحظة الأخيرة.
وهذا أدعى، على ما نرى، لبلداننا الخليجية، كدول نفطية ما زالت تعتمد على إيرادات صادراتها النفطية لتمويل إنفاقها الجاري والاستثماري عبر موازناتها العامة، وتأمين دورات نمو منتظمة، مستقرة وطموحة لاقتصاداتها الوطنية - لأن تأخذ هذه التطورات والمستجدات الطارئة والسريعة في ديناميكيات قطاع الطاقة العالمي، ذات التأثيرات المباشرة وغير المباشرة في وضع سلعة النفط في أسواق الوقود العالمية المختلفة، على محمل الجد، وتشرع في اتخاذ ما يتناسب من سياسات تحويلية، ومبادرات وإجراءات ترقى لمستوى التحدي الذي تمثله.
فما هو المطلوب، انتقالياً، لعبور هذا المسار التنموي التحولي الشاق؟ فيما يلي، بعجالة، أبرز ما يتعين علينا القيام به للتعامل مع هذا التحدي:
لابد لدول مجلس التعاون من التحرك بسرعة، فوراً ومن دون إبطاء، لإحداث تحول نوعي في نموذجها التنموي الحالي، يشمل القيام بعملية «تحوير» رئيسية في تركيبة خطوط إنتاج صناعاتها النفطية، بحيث تحول جزءاً كبيراً من إنتاجها النفطي الخام إلى مصافيها، التي يجب العمل سريعاً على رفع طاقاتها التكريرية، لإنتاج منتجات بترولية ذات قيمة مضافة عالية، وخاضعة لتكنولوجيا النظافة البيئية، لتكون أقل نفثاً للانبعاثات، وأكثر قابلية للتصدير. هنا سوف يتعين مسابقة الوقت، فيما يتعلق برفع الطاقات التكريرية للمصافي، بالاستعانة بأحدث أنواع التكنولوجيا التي يمكن التعويل عليها في إنتاج منتجات بترولية نظيفة ملتزمة بأكثر المعايير البيئية العالمية صرامةً؛ والتحرك لوضع الخطط الطارئة لكيفية وأوجه توجيه «الجزء المعطل» من النفط الخام، غير القابل للتصدير، سواء بسبب ضغوطات «لوبيات المناخ»، أو بسبب متطلبات التوافق مع المعايير البيئية العالمية (أي المواصفات والمعايير البيئية الجديدة، خصوصاً بالنسبة للمصافي)، أو ضيق مساحة أسواق تصريفه تنافسياً – توجيهه صوب دولاب الاقتصادات الوطنية الخليجية.
ولا يكفي هنا التنويع في مساهمة مختلف القطاعات الاقتصادية في إجمالي الناتج المحلي وحده، فالمعيار يجب أن يشمل توسيع قاعدة مشاركة مختلف القطاعات في إجمالي الناتج - مقدار مساهمة القطاع في الإيرادات المالية المحولة للموازنة العامة للدولة، اعتباراً بأن مساهمة القطاع الخاص في الموازنات الخليجية، متواضعة للغاية بسبب غياب الضرائب، واعتماد تمويل المشاريع الكبرى على الموازنات الحكومية العامة المعتمدة بدورها على إيرادات النفط.
إذا ما استثنينا دولة الإمارات التي حسمت موقفها مبكراً من التوجه الطاقوي العالمي الجديد، وأدرجت فعلياً وعملياً قطاع الطاقات المتجددة ضمن خططها التنموية الجارية والمستقبلية؛ وكذلك السعودية، فإنه يتعين على بقية بلداننا الخليجية التخلي عن التردد، وإدراج الطاقات المتجددة ضمن استراتيجيتها الاقتصادية الكلية، وترتيباً ضمن استراتيجياتها الفرعية المتصلة بقطاع الطاقة. هذا يجب أن يحدث بسرعة، بما يشمل وضع برامج وحوافز لاستقطاب الاستثمار الخاص لهذا القطاع الحيوي والواعد.
صحيح أن تأسيس المشاريع الجديدة في قطاع الطاقات المتجددة، تحفه المصاعب والتكلفة النسبية العالية (تحديداً في مرحلة التأسيس والإطلاق التي قد تسيطر عليها هواجس فترة استرداد رأس المال، والربحية، وليس مرحلة التشغيل بكفاءة عالية)؛ إلا أن ذلك يجب ألا يحول دون التوغل الخليجي بعمق في هذا المسار التنموي والاكتفاء ببعض الخطوات الرمزية التي إن بقيت هكذا محبوسة في إطارها الضيق فإنها لن تسهم في تأسيس هذا القطاع الذي أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية قاب قوسين أو أدنى من اعتماده أساساً لتحقيق اختراق وتحوير نوعي في نموذجها التنموي وهيكلها الاقتصادي، ليشق طريقه إلى جانب بقية القطاعات الاقتصادية الحيوية الأخرى. يحدث هذا، كما نعلم في الدولة الأولى المركزية في العالم في إنتاج النفط (وتصديره أيضاً اعتباراً من سبتمبر 2015، وكانت في شهر نوفمبر الماضي مصدراً صافياً للنفط بواقع 772,000 برميل يومياً)؛ والدولة التي تشكل أحد حوائط صد هجوم اللوبي المناخي ضد الوقود الأحفوري؛ والدولة التي ثاني أكبر منصب فيها، وهو منصب نائب الرئيس تشغله سيدة، هي كامالا هريس التي تعتبر واحدة من أكبر «عرابي» حملة إحلال الطاقات المتجددة محل الوقود الأحفوري. وللحديث صلة.
* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"