هل يحتاج العالم الأكثر اخضـراراً إلى دولارات أقل؟

22:07 مساء
قراءة 4 دقائق

مايك دولان *

يعزز التوجه نحو الطاقة النظيفة والمخاوف المناخية والأولويات الخضراء توقعات وكالة الطاقة الدولية للوصول إلى ذروة الطلب على النفط بحلول العقد المقبل
يجب أن يعني «اخضرار الكوكب» الحاجة إلى الاحتفاظ بعدد أقل من الدولارات كاحتياطي عالمي، ما يثير الشكوك المستمرة حول مستقبل الدولار باعتباره العملة المهيمنة في العالم.
وبات الدافع المتسارع إلى الطاقة المتجددة والمستدامة، إضافة إلى خفض التوقعات في هيمنة الدولار، من بين أكبر التوجهات الاستثمارية.
ويعزز التوجه نحو الطاقة النظيفة، والمخاوف المناخية والأولويات الخضراء للرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، والتي حفزتها جائحة «كوفيد-19»، توقعات وكالة الطاقة الدولية للوصول إلى ذروة الطلب على النفط في غضون العقد المقبل.
وفي ظل طفرة سياسات الطاقة النظيفة، جنباً إلى جنب مع الالتزام باتفاقية باريس بشأن وقف تغير المناخ، ترى وكالة الطاقة الدولية أن الطلب العالمي على النفط سينخفض بأكثر من الربع في أقل من 20 عاماً لصالح مصادر طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية أو المائية المنتجة محلياً، وقد يتم إعادة تدوير المجمع المتضخم من دولارات النفط العالمية منذ نهاية المعيار الذهبي في السبعينات، واستثمارها من قبل كبار المنتجين الحاليين. 
ويعتقد كريس إيجو، كبير مسؤولي الاستثمار في «أكسا إنفستمنت»، أن الدفع باتجاه مصادر الطاقة المتجددة يمكن أن يُحيّد التقلبات السياسية السلبية وتقلبات التضخم المرتبطة بتجارة النفط العالمية واعتمادها على مجموعة صغيرة من البلدان المنتجة، والتحول نحو نظام أرخص ومزيد من مصادر الطاقة المنتجة محلياً.
وقال للعملاء: «يمكن للسياسة أن تتدخل في إمداد التكنولوجيا ورأس المال اللازم لاستغلال الطاقة المتجددة، لكن لا أحد يستطيع التحكم في الشمس والرياح».
ويرى كريس أن الدور المركزي للدولار يتغير في ذلك الخصوص أيضاً.
وكتب يقول: «إن مزيداً من الإنتاج المحلي للطاقة المتجددة من الطبيعة يعني اعتماداً أقل على عملة واحدة». «البترودولار» أصبح من الماضي، وستختفي الحاجة إلى ربط مصير عملات معينة بالدولار».
ويعتبر تأثير سعر الصرف أكثر خطورة مما يبدو، ولكن قد تكون هناك تداعيات خطيرة أخرى.
فقد اعتمد نظام «البترودولار» الذي بدأ في السبعينات إلى حد كبير على إعادة تدوير عائدات النفط بشكل مباشر، أو غير مباشر، من دول الشرق الأوسط النامية في الأغلب إلى ودائع الدولار الأمريكي وسندات الدين، وغالباً عبر المراكز المالية الكبيرة، مثل لندن.
وأدى ذلك جزئياً، إلى ظهور أسواق اليورو-دولار الخارجية وتجمعات السيولة الدولارية العالمية التي غذت كل شيء تقريباً، بدءاً من سوق السندات الدولية في الثمانينات والخدمات المصرفية إلى الأسهم الخاصة والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا منذ ذلك الحين. وعززت بشكل أساسي قدرة أمريكا على إدارة عجز دولي كبير بثمن بخس لعقود.
ويستمر كبار منتجي النفط في ضمان سداد مئات المليارات من الدولارات من ديون الحكومة الأمريكية، حتى لو لم تعد الولايات المتحدة نفسها مستورداً صافياً.
وتشير أحدث البيانات الأمريكية الصادرة في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، إلى أن السعودية والنرويج والإمارات وحدها تمتلك أكثر من ربع تريليون دولار من أوراق الخزانة التي تبلغ 7 تريليونات دولار الموجودة في الخارج، حتى لو أدى انخفاض أسعار النفط الحاصل خلال الاثني عشر شهراً الماضية إلى خفض ذلك بأكثر من 50 مليار دولار.
ومع ذلك، فإن هذه الأرقام تتضاءل مقابل أكثر من تريليوني دولار في سندات الخزانة التي تحتفظ بها مستوردتا النفط اليابان والصين، أو بالفعل 4 تريليونات دولار التي جمعها الاحتياطي الفيدرالي نفسه في شراء السندات لتخفيف الوباء. وبالتالي فقد تم تخفيف تأثير «البترودولار» على تكاليف الاقتراض الأمريكية إلى حد كبير، على الأقل في الوقت الذي يدعم فيه الاحتياطي الفيدرالي ويمتلك ربع السوق.
وهناك طريقة أخرى للنظر إلى الموضوع في حجم ممتلكات صناديق الثروة السيادية، التي زادت في الشرق الأوسط والنرويج خلال عقد وحتى عام 2019 إلى أكثر من 4 تريليونات دولار، ولكن تم تنويعها على نطاق واسع، وهذا هو المكان الذي يصبح فيه سعر الصرف وتأثيرات السوق العالمية جراء انخفاض المكاسب غير المتوقعة أكثر تعقيداً.
قد يتراجع الطلب على الدولار مع عواقب كبيرة للاحتفاظ بالاحتياطي، وهو أمر طبيعي في عالم أقل اعتماداً على النفط. وارتبطت التقلبات الهائلة في أسعار النفط على مدى السنوات ال12 الماضية عكسياً بقيمة سعر صرف الدولار مقابل العملات الأوروبية على وجه الخصوص. وقد ثبت صحة تلك العلاقة مرة أخرى على الرغم من صدمة الوباء ومرحلة التعافي المستمرة منذ العام الماضي.
ووفقاً لورقة صادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك من عام 2019، لم تظهر هذه العلاقة إلا بعد عام 2000 عندما تحولت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من صافي عجز الحساب الجاري في الثمانينات والتسعينات إلى فائض مع ارتفاع أسعار النفط.
ومع تضخم فائض الإنتاج وارتفاع أسعار النفط بعد ذلك، تنوع الحجم الهامشي للثروة إلى أوروبا والعملات الأوروبية، والعكس صحيح أثناء تقلبات أسعار النفط.
فهل ستقوض تصورات تضاؤل الحاجة ل«البترودولار» في جميع أنحاء العالم على مدى العقدين المقبلين فائض إنتاج مصدري النفط وتنهي ارتباطه بالدولار؟
* «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

محرر الأسواق المالية في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"