عادي

تبرئة ترامب.. انتصار للشعبوية

22:30 مساء
قراءة 4 دقائق
1

إعداد- بنيمين زرزور

برأ مجلس الشيوخ الأمريكي إثر محاكمة عاجلة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من تهم الضغط على مسؤولي الانتخابات لتزوير النتائج ،والتحريض على اقتحام مبنى الكابيتول ومنع الكونجرس من التصديق على الانتخابات الرئاسية في 6 يناير الماضي.

ترافقت محاكمة ترامب مع هالة غير مسبوقة من التوقعات والتكهنات التي ربما استلهمت ضخامة الحدث الذي سبق الاعتماد الرسمي لنتائج الانتخابات في سابقة هي الأولى في تاريخ أمريكا ، وترتبت على تلك الحادثة هزات ارتدادية منها ناتج عن سعي البعض لاستغلالها لتحقيق غايات سياسية كيدية، كما هي الحال في موقف نانسي بيلوسي زعيمة الديمقراطيين في الكونجرس التي اتخذت موقفاً غاية في التشدد بناء على احتكاكات سابقة مع الرئيس ترامب ، ووصفت تبرئته بأنها «إهانة للشعب الأمريكي»،ومنها ما هو ناتج عن حسابات سياسية قد لا تكون دقيقة خاصة ما تعلق بظهور الحركات الشعبوية ودور اليمين الأمريكي ممثلاً في منظمة «براود بويز» في تغذية الهجوم على مبنى الكابتول.
وبعيداً عن التكهنات والتأويلات انتهت محاكمة ترامب يوم السبت الماضي بتبرئته من تهم التحريض على التمرد، لكن انعكاسات ذلك سوف تظهر لاحقاً في الشارع الأمريكي من خلال بروز التطرف واليمين بشكل أقوى.
  ويرى المتشددون أن حادثة الكونجرس ليست مجرد جريمة،بل إن أعمال ترامب انتهكت المبدأ الدستوري الأكثر أهمية في الديمقراطية الأمريكية ، وهو أن الانتقال السلمي للسلطة يجب أن يتبع الانتخابات، وهذا المبدأ التنظيمي هو الضرورة الأساسية التي يقوم عليها النظام الديمقراطي الأمريكي وما عداه هو اغتصاب للسلطة بقوة السلاح.
معادلات التصويت
في بلد منقسم مثل الولايات المتحدة، تعَدّ أغلبية 57 صوتاً لصالح إدانة ترامب مقابل 43 صوتاً معه ،نتيجة رائعة في أي عملية تصويت، وفي حالة تبرئة رئيس متهم بالتحريض على العصيان المدني ، تعتبر النتيجة تاريخية بكل المقاييس، ويمثل هذا في حدّ ذاته انتصاراً لترامب؛ الذي لايزال مؤهلاً لخوض سباق الرئاسة مجدداً عام 2024 .
وقد سلطت المحاكمة الضوء على الحد الفاصل بين الجناح الذي يؤمن بالمبادئ في الحزب الجمهوري وبقية أعضاء الحزب، حيث صوت سبعة من أعضاء مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري لصالح إدانة ترامب،أما الذين عارضوا التبرئة فاعتبرتهم بيلوسي «جبناء».
وترى صحيفة «فاينانشال تايمز» أن للمحاكمة تداعيات على ترامب نفسه، حتى لو لم ينتج عنها منعه من تولي المنصب مرة أخرى، فمن خلال أدلة الفيديو التي نشرها أعضاء مجلس الشيوخ للجمهور، أصبح واضحاً أكثر من أي وقت مضى،حجم الأضرار السياسية التي تترتب على حادثة في مثل فظاعة اقتحام الكونغرس، وقد ساعدت عملية المحاكمة الحزب الجمهوري على استعادة جزء من صورته المشوهة والثقة المفقودة.
  و مرت العملية بالحد الأدنى من الجدل العقيم والنقاشات عديمة الجدوى ،سوى مرافعات فريق دفاع ترامب، كما أنها لم تتسبب في موجة اضطرابات أو شغب في الشارع كما روجت بعض الجهات، وبات من الضروري بعد أن مرت المحاكمة بسلام أن يتأكد حكماء الحزب الجمهوري وعقلاؤه من أن هذه النتيجة يجب أن تكون بداية لما هو أهم في العمل السياسي الداخلي مثل قضايا اللحمة الوطنية والعمل المنسق لخدمة الأهداف الوطنية ،وليست انعكاسا للانحطاط المستمر في دور اليمين الأمريكي. ويجب على الحزب ألا يرفض نهج ترامب فحسب، بل يرفض جنون العظمة والتطرف الذي أدى إلى أعمال العنف القاتلة في 6 يناير/ كانون الثاني، ويواجه الجمهوريون الذين خالفوا هذا التوجّه داخل الحزب انتقادات لاذعة.
وفي بيان صحفي، احتفل الرئيس الأمريكي السابق ببراءته، وأدان الديمقراطيين قائلاً إن مشواره السياسي بدأ للتوّ، وأنه سيواصل المعركة من أجل أمريكا عظيمة.
مقدمة لمعارك سياسية
لكن تبعات هذه المحاكمة أمر مختلف عن قِصر مدتها، فقد خضع الرئيس السابق لإجراءات المحاكمة في الكونجرس مرتين في سابقة من نوعها. ومع ذلك يحتفظ ترامب بشعبية جيدة ولا يزال يحظى بتأييد قواعد جماهيرية لا بأس بها، وهناك تضليل وتشويه حقائق وتلميع شخصيات ومواقف بعينها ،وهذا يعني أن مسرحاً جديداً انطلق من أجل خوض معارك سياسية مستقبلية.
ومن الواضح أن ترامب السياسي لم يخرج من هذه المعركة سالماً تماماً؛ إذ ستبقى صور مؤيديه وعلى رؤوسهم قبعات تحمل شعار حملته الانتخابية ،رافعين رايات تحمل صوره وهم يقتحمون مبنى الكونغرس ،جزءاً من صورته السياسية في أي ظهور قادم على المسرح السياسي ،لا سيما في أوساط الناخبين المستقلين والمعتدلين، إنْ لم يكن في أوساط الناخبين الجمهوريين.
ويسلط هذا المشهد الضوء على تحدّ يواجهه عدد من الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ؛ فالتصويت بإدانة ترامب كفيل بإضاعة أصوات كثير من ناخبي الحزب ممن يرون في ذلك خيانة لحزبهم.
  وفي الولايات الجمهورية الراسخة، يخشى الجمهوريون من مواجهة مرشحين جمهوريين محافظين أكثر بكثير من خشيتهم من مواجهة مرشحين ديمقراطيين .
أما في الولايات المتأرجحة أمثال فلوريدا، وويسكونسن، وأيوا، فيخشى الأعضاء الجمهوريون من تأثير تصويتهم ببراءة ترامب على سير الانتخابات التكميلية العام المقبل، التي قد يستخدم فيها خصومهم الديمقراطيون مقاطع فيديو تصوّر أحداث العنف التي شهدها حادث اقتحام الكابيتول.
  وإذا كانت هناك ملاحظة يمكن أخْذها على مديري محاكمة ترامب، فهي التردد في استدعاء شهود العيان.وبحسب مسؤولي البيت الأبيض، لم يكن بايدن يتابع عن كثب إجراءات المحاكمة، وإنما كان مشغولاً بقضايا أخرى على رأسها فيروس كورونا.
ويؤمن بايدن بأن مستقبله السياسي يعتمد على نجاحه في التعامل مع قضايا كالوباء، والاقتصاد، وغيرها مما يهتمّ له الأمريكيون، وليس على نتائج محاكمة ترامب، وباختتام إجراءات المحاكمة، يستأنف مجلس الشيوخ التصديق على تعيينات شخصيات الإدارة الأمريكية الجديدة ، وكلها أمور تبعث على السرور في نفس بايدن و نفوس أعضاء فريقه،
   لكن إذا رأت قاعدة الناخبين الديمقراطيين أن ثمن عدم تعطيل أجندة بايدن السياسية كان هو الفشل في إدانة ترامب -عبر محاكمة متسرعة بلا شهود - فإن بايدن حينئذ قد يدفع ثمناً سياسياً باهظاً.
وأيا كانت النتيجة يبقى الشعب الأمريكي الذي يعاني الانقسامات السياسية وتبعات ضعف الأداء الاقتصادي وفقدان الوظائف،الخاسر الأكبر من تمييع قضاياه الأساسية أو حلها تصالحياً بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"