عادي

العدوى الكبرى

22:33 مساء
قراءة 3 دقائق
1

كتب: محمد الماحي 
تحفل ساحات المحاكم وحياة الأطراف التي تلتقي فيها بقصص تعكس في جانب منها الصراعات القديمة المتجددة بين الخير والشر، بين الطمع والقناعة، بين نفوس ترتوي بظلم الآخرين وأخرى تنفق شهوراً، وربما العمر كاملاً، بحثاً عن حق. في تفاصيل هذه الصراعات تحاول العدالة ما استطاعت أن تكون صاحبة الكلمة العليا لتستقيم الدنيا، وفي ثنايا المواجهات بين الأطراف المتخاصمة تتدفق المفاجآت والعبر.
مجالس السوء وهي العدوى الكبرى التي تسري وتنتشر بين الشباب، خاصة إذا كانت عقولهم خالية من التربية السليمة والأخلاق الرفيعة والمبادئ الحميدة حيث نجد هؤلاء الشباب يؤثر بعضهم على بعض فإذا كان هناك رفيق سوء يتعاطى أو يتاجر في المخدرات فسرعان ما يتأثر به صديقه ويحاكيه في مثل هذه التصرفات ويصبح مدمناً أو تاجراً للمخدرات مثله؛ لذا فإن رفيق السوء أشد عداوة للإنسان من أي شيء آخر، إضافة إلى التربية الفاسدة والخلافات الزوجية والإهمال.. كل هذه العوامل يترتب عليها إخفاق الشباب في الحياة وينتج عنها العجز في مواجهة الدراسة والتفوق ويكون الفشل في الدراسة والانحراف، حيث يتسلل اليأس لهؤلاء الشباب ما يدفعهم إلى الهروب من هذه المشاكل فيتجهون إلى المخدرات،
وبإمكان صاحب واحد ذي أخلاق ذميمة وسلوكيات غير سوية سحبُ مجموعة من الأصدقاء إلى مستنقع الجريمة كما فعل شاب خليجي عمره 25 سنة «متورط» في تسهيل تعاطي مؤثرات عقلية إلى مجالسيه ومرافقيه من المراهقين والقاصرين، وطلاب المدارس، الذكور منهم والإناث، تفاصيل هذه الجريمة التي تؤكد على ضرورة متابعة الآباء لأبنائهم، ومراقبة سلوكياتهم وتحركاتهم، والاطلاع على قائمة أصدقائهم وعلاقاتهم، عرضتها النيابة العامة أمام الهيئة القضائية في محكمة الجنايات في دبي، متهمة فيها الشاب الموصوف بتسهيل تعاطي مؤثر عقلي لقاصرين وقاصرة، وتزويدهم بمادة الكريستال واللاريكا دون مقابل، ومطالبة بإيقاع أقسى العقوبات بحقه وفق المواد القانونية ذات الصلة.
صديق السوء كالوباء لا يعرف معنى الإخلاص والوفاء ولا يجلب إلا الخراب والدمار، من القصص المأساوية لضحايا أصدقاء السوء، قصة شاب في العقد الثاني من العمر اصبح مدمناً بعد أن كان متفوقاً والأول على دفعته طوال فترة دراسته والسبب الانجراف خلف رفقاء السوء، لكن مركز «حماية» الدولي في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في شرطة دبي، أنقذه من السقوط ضحية مرة أخرى في براثن أصدقاء السوء الذين ظهروا في حياته مجدداً بعد فترة غياب طويلة خارج الدولة قضاها في مصحة للعلاج، وما إن تعافى ونجح في طيّ صفحة سوداء استغرقت سبعة أشهر قاسية ومريرة قضاها في تعاطي المخدرات والسهر والإهمال، حتى عاد إلى أحضان العائلة في الدولة، وظن والده أن فترة الغياب الطويلة لابنه العشريني خارج الدولة كفيلة بمسحه من ذاكرة أصدقاء السوء، إلى أن صارحه ابنه بأنهم يتربصون به لجرّه إلى التعاطي مرة أخرى، وذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها منفذهم الوحيد إليه بسبب التزام الابن بالبقاء في المنزل في ظل الظروف الراهنة التي فرضها «كورونا»، ليستعين الأب والابن على الفور بمركز «حماية» الدولي الذي قدم دعماً نفسياً ومعنوياً عن بُعد، ضمن أسلوب جديد يعزز لدى المتعافين من الإدمان قوة الإرادة والثبات والثقة بقدرتهم على التصدي لأصدقاء السوء ومشاعر الخوف التي قد تأتي بنتائج عكسية إن سيطرت عليهم.
عالم المخدرات من العوالم التي تجعل من يسلكها في ظلام دائم، لا يحسن التصرف في أي من الأمور الحياتية، ولا يجيد التفكير، ويكون مغيباً دوماً عن الواقع، وقد قص بعض التائبين من المخدرات قصته التي عاشها أثناء تناوله للمخدرات، حتى يحذر الناس مما وقع فيه أو مما استدرجه، ليتناول المخدرات، ومن أهم القصص التي كان لها تأثير نفسي وجسدي على أصحابها، قصة إدمان شاب استمرت 20 عاماً، أكد أن أسبابها تكمن في التفكك الأسري وأصدقاء السوء والسيولة المالية بأيدي الشباب بلا رقيب أو محاسبة.
يتذكر الشاب: «وقعت في فخ الإدمان بعز الشباب، كان عمري 18 عاماً، إذ تركت الدراسة وتوجهت إلى سوق العمل، يومها بدأ أحد أصدقاء السوء يغريني ويدفعني للتعاطي وأغواني بتجريب أحد أنواع السجائر التي ستنقلني إلى عالم السحر والنشوة.. هكذا وصفها لي حينها».
ويؤكد الشاب أنه في البداية تعذب كثيراً خلال فترة العلاج إلا أنه يشكر الله الذي منحه هذه الفرصة فكانت بداية طريق النقاهة والتعافي، مشيراً إلى أن برامج التعافي من الإدمان تساعد الضحايا على شق طريقهم من جديد وحمايتهم من الانتكاسة، وأشاد ببرامج الفحص الدوري للمدمنين من قبل شرطة دبي، وكذلك الفحص الفجائي الذي يشعر فيه التائب المتعافي بضرورة الالتزام بالابتعاد عن المخدرات.ويختتم الشاب رسالته للشباب فيقول: «لا أقوى من إرادة التحدي، وإن أخطأنا الطريق فهناك دائماً فرصة للبداية من جديد».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"