تصعيد تركي مع واشنطن

00:58 صباحا
قراءة دقيقتين

بوادر الأزمة الجديدة التي باتت تلوح في الأفق بين أنقرة وواشنطن على خلفية بيان الإدانة الأمريكي لمقتل 13 تركياً في شمال العراق مع نهاية العملية التركية المسماة «مخلب النسر 2» في تلك المنطقة، واستدعاء السفير الأمريكي للاحتجاج، ليست سوى نتاج للعلاقات المضطربة وتضارب المصالح والأهداف لدى كلا الجانبين منذ عهد إدارة ترامب وحتى الآن.
 هذا الاضطراب في العلاقات ازداد توتراً وتعقيداً، مع مجيء إدارة بايدن الذي لم يتلق التهنئة من نظيره التركي بفوزه في الانتخابات إلا في وقت متأخر كثيراً قياساً بقادة العالم، ومع أن ذلك ليس سبباً جوهرياً في تردي العلاقات بين أنقرة وواشنطن، إلا أنه مؤشر على مخاوف أنقرة من أي تغير جدي في مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة إزاء مجمل التحركات التركية في المنطقة، والتي كانت غالباً ما تقابل من الإدارة السابقة بنوع من الاحتواء استناداً إلى العلاقات الشخصية بين ترامب وأردوغان. 
 وبالعودة إلى البيان الأمريكي الذي اعتبرته أنقرة تشكيكاً في الرواية التركية، لقوله إنه يدين بأشد العبارات إعدام الرعايا الأتراك، إذا ثبتت مسؤولية حزب العمال الكردستاني عن قتلهم، وهو ما اعتبرته أنقرة بياناً «ضعيفاً» لا يرتقي إلى مستوى علاقات يفترض أن تكون تحالفية مع دولة عضو في حلف «الناتو»، حتى أن أردوغان وصفه بأنه «مزحة»، ليتبين، في النهاية، أن أنقرة تستغل هذا البيان لتمارس تصعيداً استباقياً ممنهجاً مع واشنطن. ولم يكن استدعاء السفير الأمريكي لدى أنقرة للاحتجاج، وبيان الخارجية التركية المعبّر عن الأسف للموقف الأمريكي، ومن ثم الاتصال الهاتفي بين وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو ونظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، سوى جزء من هذا التصعيد الممنهج، كما عبّر عن ذلك أوغلو حين أبلغ نظيره الأمريكي عدم ارتياح أنقرة لكل البيانات الأمريكية منذ مجيء إدارة بايدن. 
 والمدهش في الأمر أن الرواية التركية حول مقتل المدنيين الأتراك بعد خطفهم على يد الحزب الكردستاني، ثبت أنها «كاذبة»، بعدما كشفت مواقع كردية هوية القتلى الأتراك، وتبين أنهم ضباط وعناصر في المخابرات والجيش التركيين، وأن الغارات التركية هي من تسبب بمقتل هؤلاء، وهو ما أثار أزمة داخلية بين السلطات الحاكمة وأحزاب المعارضة، ودفع السلطات التركية إلى القيام بحملة اعتقالات واسعة في صفوف المؤيدين للأكراد. 
 لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ تدرك أنقرة أنها باتت تواجه تحديات كبيرة وجدية مع إدارة بايدن الذي قام بتعيين بريت ماكجورك مسؤولاً عن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والمعروف بعلاقاته الوطيدة مع القيادات الكردية، وخصوصاً مع قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، باعتبارها حليفاً وشريكاً في محاربة تنظيم «داعش»، وبالتالي لن تعود أنقرة مطلقة اليدين في التصرف ضد المناطق الكردية، في وقت تشعر أنها أحوج ما تكون إلى تعزيز مواقعها في سوريا والعراق كأوراق تفاوضية إذا ما اتجهت الأمور نحو البحث عن تسويات للصراعات القائمة في المنطقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"