من لبنان إلى ليبيا.. أين العرب؟

00:57 صباحا
قراءة 3 دقائق

إلى متى تتأخر عودة الروح للعمل العربي المشترك والفعلي في حلّ القضايا العربية الداخليّة؟
في كلمة ألقاها مساء الأحد الماضي، قال سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية المكلّف إنه لا حلّ في لبنان إلاّ بدعم عربي واسع. وقبله بأيّام قال محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي الليبي الجديد، إنّ القضيّة الليبية تحتاج إلى دعم عربيّ حتّى تصل البلاد إلى مرحلة الانتخابات. الموقف اليمني لا يختلف أيضاً من حيث المطالبة بدعم عربي ينهي العبث الحوثي.
 وفي سوريا نرى احتلالاً أمريكياً يتوسع على حساب وحدة سوريا أرضاً وشعباً. كما نرى مشاريع تتريك في الشمال السوري، من خلال فرض التعامل بالليرة التركية بدل الليرة السورية، وفتح مشاريع تعليمية من معاهد وكليات تابعة لمؤسسات تعليمية تركية فضلاً عن افتتاح ساحات تمجد «الأمة العثمانية» في إشارة واضحة إلى أنّ الاحتلال التركي للشمال السوري له أهداف أبعد ما تكون عن الشعارات التي يتم رفعها، التي تتحدث عن «حماية» الشعب السوري. إنّ هذه الأحداث تدفع إلى طرح سؤال لا بدّ من الصدح به، ألا وهو: إلى متى تتأخر عودة الروح إلى العمل العربي المشترك والفعلي في حلّ القضايا العربية الداخليّة؟ أَلم يتعلّم العرب أنّهم الخاسر الأكبر ممّا يحدث منذ عقود في المنطقة؟
 وبالرغم من رحيل ترامب الذي كان يمثل كابوساً جاثماً على مربع السياسة الدولية، وبالرغم من أن الإدارة الأمريكية الجديدة تعطي مؤشرات على أنّها ستعيد الدبلوماسية الأمريكية إلى ما قبل مرحلة ترامب، بما يعنيه ذلك من مرونة في التعامل مع الملفات الدولية، إلاّ أن العرب مازالوا لم يتداعوا إلى قمة مصارحة، تؤسس لمرحلة بناء جديدة، وتنهي الخلافات، خاصة بعد أن وقع رأب الصدع الخليجي.
 ليبيا على سبيل المثال، وفي هذه المرحلة الانتقالية الجديدة، تحتاج إلى «هجمة» دبلوماسية عربية قوية من أجل محو آثار التتريك ومن أجل التأكيد على أنّ هوية الشعب الليبي هي هوية عربية خالصة. ذلك أنّه لن تنجح العملية السياسية إذا واصلت تركيا حشر نفسها وتقسيم البلد إلى شرق وغرب، ولن يستطيع الشعب الليبي أن يعود إلى حياته الطبيعية وجحافل المرتزقة الذين جلبتهم تركيا يرتعون في أرجاء البلاد، وهذه مهمة الجامعة العربية التي عليها أن تبحث عن آلية واضحة وتعيّن مبعوثاً عربياً يتولى متابعة وإدارة الملف الليبي. وكذا الأمر في الملف السوري، فنحن نعتقد أنّه حان الوقت لبدء مرحلة جديدة مع الدولة السورية يتمّ بمقتضاها إعادة فتح السفارات وإعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، ثم يجري بحث آليات المساهمة العربية في إعادة الإعمار. 
 والحقيقة أنّه تظهر مؤشرات إيجابية تدل على قرب عودة الروح إلى الملف السوري، ولكننا على يقين أنّ مفاتيح هذا الملف هي بيدي القاهرة والرّياض. وحيث إن مصر عبّرت عن أنّها ترفض رفضاً قاطعاً المساس بوحدة الأراضي السورية أمام هجمة الاحتلال المزدوجة، فإنّ الرياض لا تبدو بعيدة عن فكرة المصالحة مع دمشق. فمنذ أسابيع قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال مؤتمر صحفي عقده مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في موسكو، إن روسيا والمملكة العربية السعودية تجتمعان في نقاط عدة تخص سوريا، منها نقاط مفتاحية، مثل عودة سوريا إلى الأسرة العربية (جامعة الدول العربية). وفي ذات الوقت فقد افتتحت موريتانيا سفارتها في دمشق، وذلك بعد أن تولت الإمارات والبحرين وحكومة الشرق الليبي إعادة فتح السفارات منذ العام 2018. وفي دمشق تنشط عدة هيئات تابعة للجامعة العربية، وذلك بالرغم من تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية منذ العام 2011.
 إنّ الأصلح في هذا العالم المتغيّر والمتشابك العلاقات والمصالح، أن تكون القمة العربية المقبلة التي يجب أن تعقد مهما كانت الظروف، هي قمة المصالحة وقمة القرارات، لأنّ تجربة السنوات العشر الأخيرة أثبتت أن الفراغ الدبلوماسي يتمّ ملؤه بتيارات الإسلام السياسي ومشتقاتها الإرهابية، التي تولت عمليات التخريب والتدمير الشامل. هذا هو التحدي الأعظم الملقى على عاتق جامعة، بات ضرورياً عليها أن تواكب المتغيّرات بعقليّة جديدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"