معضلة الترجمة

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

لا تزال الفجوة في مسألة الترجمة، من وإلى العربية، كبيرة، وربما مرعبة، فوفق تقرير حول اللغة العربية صادر عن وزارة الثقافة والشباب الإماراتية مؤخرا، ترجم العرب خلال العقدين الماضيين 3500 عنوان من اللغات الأخرى، وهو رقم خجول جداً مقارنة مع بلدان أخرى.

   البعض يحاول أن يحسن الصورة نوعاً ما، فيتحدث عن النوع لا الكم، فترجمة كتاب لافت أكثر أهمية من ترجمة عشرات الكتب التي بلا قيمة، وهو طرح صحيح، ولكنه يؤدي إلى ملاحظة مهمة، فكتاب على هذه الشاكلة لابد أن يباع بمئات الآلاف من النسخ، وتقام حوله ندوات، وجلسات نقاش، و يؤثر في الساحة الثقافية والفكرية ويحرك مياهها الراكدة، الأمر الذي يدفعنا للسؤال: أين هو هذا الكتاب؟.

  تحيل مسألة النوعية أيضاً، بعيداً عن الرواج، إلى أسلوب المترجم الذي عندما نقرأه نشعر أن المؤلف الأصلي يكتب لنا، وباستثناء عدة مترجمين، في الأدب وحده ومعظمهم رحلوا تقريباً، يترك الكثير من القراء العرب الكتب المترجمة نظراً لرداءة الأسلوب أو للأخطاء الفادحة. 

    إذا ذهبنا إلى المترجمين أنفسهم سنسمع الشكوى الأولى والخالدة، وهي تدني العائد من الترجمة، وكل من له علاقة بهذا المجال يعرف العكس تماماً، فالمترجم أفضل حالاً بكثير من الكاتب. المترجم دائم المقارنة مع نظرائه في دول أخرى، وينسى أن مهنته إبداعية بالدرجة الأولى، ولا مردوداً مادياً كبيراً من وراء الإبداع في الحالة العربية.

 الأكثر أهمية في ساحتنا، ذلك الشعور الذي نلتمسه عند نقاش قضية الترجمة، حيث يبدو أنها تتعلق بالأدب بالدرجة الأولى،        و تلحق به عدة علوم إنسانية، وهو خطأ فادح، لا يبدأ من إهمال ترجمة العلوم التطبيقية والأعمال السياسية، ولا ينتهي بطوفان   من الدوريات التي لا نعرف عنها شيئاً، ولا يتطرق إليها أحدهم في حديثه عن الترجمة، برغم أهميتها القصوى، فالدورية بعكس الكتاب تتميز بالتنوع ومواكبة أحدث المستجدات في المجال الذي تتخصص فيه.

    تبقى في مسألة الترجمة ملاحظات عديدة، تأتي على رأسها الترجمة عن العربية ذاتها، وهل هناك ما يستحق أن ننقله إلى الآخرين في العلوم والفنون باستثناء بعض أدبائنا، وإذا ذهبنا إلى جانب آخر من القضية يتعلق بترجمة مفكرين عرب يكتبون باللغات الأجنبية، مثل إدوارد سعيد وعبد الله العروي، فسنجد أمامنا ترجمات برغم أهميتها وتناولها مفاصل مهمة في ثقافتنا وتاريخنا تحتاج إلى «تعريب» أو إلى شروحات وتفسيرات حتى نستطيع فهم ما يود الكاتب العربي أن يقوله.وهناك ضرورة قصوى لنقاش مختلف نخب المجتمع في مسألة الترجمة، بعيداً   عن الأدب، وهو نقاش سيفتح الباب على النظر الجاد في إنتاجنا المعرفي : ما هو منتجنا في العلوم التطبيقية أو حتى الإنسانية الذي نقدمه للعالم؟.   وتبقى الترجمة نفسها في النهاية رهينة بمعدلات القراءة، فعلى الأرض، وبعيداً عن التحليق والتنظير، لا يمكن لسوق الترجمة أن ينتعش من دون قراء، ولكن تلك معضلة أخرى من معضلات الحالة الفكرية والثقافية في العالم العربي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"