عادي

البيــوت تتحول إلى مدارس في زمن كورونا

23:44 مساء
قراءة 6 دقائق
1

تحقيق: ميرفت الخطيب

«البيت.. مدرسة في زمن كورونا.. غرف تتحول إلى صفوف مدرسية.. وأمهات يركضن بين الغرف لمساعدة أبنائهن.. نحن في صف تعليمي ولسنا في منزل».. بهذه الكلمات اختصرت إحدى الأمهات معاناتها مع أولادها منذ أن تحول البيت إلى مدرسة وملعب، والتعليم النظامي أصبح تعليماً افتراضياً. واقع البيوت والعائلات تغير خاصة التي تضم أكثر من طالب، وفي ظل غرف البيت المحدودة، فهل تستطيع أن تتحمل تحول بيتك إلى مدرسة؟
ترى الدكتورة بشرى العكايشي، رئيسة قسم التربية بكلية الآداب، جامعة الشارقة، أن تحول البيوت إلى فصول مدرسية جاء لمصلحة وحماية الطلاب والطالبات من مخاطر فيروس كورونا، وأيضاً لرفدهم وأهاليهم بكيفية التعامل مع التكنولوجيا الحديثة واستخدام البرامج والتطبيقات الجديدة. 
وقالت إنه في بداية الجائحة كان الكل متضايقاً من العمل من المنزل والبقاء فيه طوال الوقت، لكن بعد مضي سنة وأكثر أصبحت المهنية وإدارة الوقت والتعليم الذاتي جزءاً من ثقافتنا اليومية والتعامل مع الواقع الجديد بات سهلاً.
ووجدت أنه رغم تحديات الموقف، إلا أن التعلم في المنزل كان فرصة طيبة لبعض الأمهات للتعرف إلى أولادهم وعلى مستوى ذكائهم واستيعابهم وقدراتهم وأيضاً هواياتهم وهذا ما يسهم في تحسين وتجويد العلاقة بين الطرفين وتدارك المشاكل أيا كان نوعها قبل حدوثها والتقليل من أعراضها السلبية. 
وقالت الدكتورة بشرى: في فترة كورونا شارك أغلب الأسر والأمهات، المدارس في تحمل مسؤولية الطلبة وتحولت البيوت إلى مدارس بديلة، لكن في هذه الفترة ظهرت بعض التحديات والمشاكل لكلا الطرفين الأولاد والأمهات، نتيجة تعليم الأبناء عن بعد بسبب جائحة كورونا، بالرغم من النجاحات التي حققها التعليم الافتراضي، والذي فرض على الجميع حماية أولادنا من الجائحة، وأعطى صورة مشرقة من خلال النتائج التي رأيناها في كافة المراحل الدراسية، إلا أن هناك صعوبات عانتها الأسرة ، وهي كيفية التعامل مع الأبناء في هذه المرحلة، خاصة أن البيت أصبح هو البديل عن المدرسة، وأكثر من عانى هذه التحديات هم أولياء الأمور الذين احتاروا في كيفية التعامل مع أولادهم في هذه الفترة، والتحديات ظهرت بشكل واضح ولا سيما عند الأمهات العاملات، لأن الأم العاملة أساساً كانت قبل الجائحة تعمل على التوفيق بين عملها وأسرتها، وكان الأمر تحدياً لها، ووجدت نفسها أمام واقع جديد عليها التكيف معه ووضع تصور مختلف عما كان عليه قبل كورونا، ولتجاوز هذه الأزمة، يتعلق الأمر هنا بثقافة الأسرة ومستوى الوالدين وتأهيلهما المعرفي والتربوي، وما إذا كان متواضعاً أو عالياً، ومدى مهاراتهما ودرايتهما بكيفية التعامل مع هذا الوضع، وفهم برامج وخطط التعليم، وكل هذه الأمور تنعكس على كيفية استيعابهم للمرحلة التي يمرون بها والتوافق معها. وبالتالي يوجد خوف لدى أولياء الأمور وقلق ما إذا سينجحون مع أولادهم في هذه المهام الجديدة عليهم.
وأشارت، اليوم نحن أمام واقع جديد، وهو أن عملية التعليم أصبحت عملية مشتركة وبدأت تجمع بين الأم والأب من ناحية والمدرس من ناحية ثانية ،خاصة أن الفصول الدراسية أصبحت داخل البيت، ومن غير الطبيعي تهميش دور الأسرة الذي أصبح ضرورياً، بغض النظر عن استعداداتها ومهاراتها، لذا يجب أن يتدربوا على كيفية أن يكونوا إلى جانب أولادهم خلال الدرس ما يتطلب تأهيل الوالدين وتدريبهم على الأدوار المسندة إليهم، ليكونوا مكملين لدور المعلم في زمن كورونا فقد تحولت الدراسة إلى عملية تشاركية ومناصفة بين الأهل والمعلمين.
مشاحنات
أماني مرعي العلوش، أم لابنتين، تحدثت عن تجربتها مع التعلم عن بعد، حيث قالت: «البيوت صغيرة للأسف، وهناك باستمرار مشاحنات وتداخل في الأصوات بين ابنتي، وأعاني في تقسيم وقتي بينهما، فهما في المرحلة الابتدائية وتحتاجان إلى مساعدتي، ولكن في الوقت ذاته من الصعب أن أتخذ قرار عودتهم للمدرسة، خاصة مع تفاقم الوضع مع كورونا وتزايد الإصابات». وتؤكد أماني، أن التعلم عن بعد يحتاج إلى ظروف مناسبة من بيت كبير وأم متفرغة وتوفر أجهزة، «بينما انشغل عنهما بعملي الخاص ولاحظ أنهما فقدتا التركيز وانشغلتا باللعب أو حتى بأخذ غفوة، كما أنى لم أعد أجد الوقت الكافي لعملي، بل أجد نفسي في صف مدرسي لا في منزل مريح وهادئ!».
انتهاء كابوس الجائحة
«أم دانية» لديها ثلاث بنات في مراحل دراسية مختلفة، تؤكد أنها وتجنباً لسلبيات التعلم عن بعد قامت بتسجيل بناتها في المدرسة وسددت رسوم المواصلات، لتفاجأ بعودة كورونا بقوة، وتزايد سريع في الإصابات، حتى أنها انتشرت في مدرسة بناتها، ما دفع إدارة المدرسة للعودة إلى الخيار الأصعب، وهو الدراسة عن بعد، وعن هذا تقول: البيوت صغيرة، والتركيز صعب، لدي عملي أيضاً عن بعد، وطفلة تريد مشاهدة التلفاز، وثلاث طالبات حولن المنزل لصف دراسي، وأنا عاجزة عن التوفيق بين مهامي كموظفة وأم ومهمتي الجديدة كمعلمة!
وأضافت موضحة: حتى شبكة الإنترنت أصبحت تعاني ضعفاً شديداً، وتنقطع باستمرار، فكلنا نستخدمها في نفس الوقت، كما أن الجميع يعاني ضعف التركيز وتداخل الأصوات، للمرة الأولى أشعر بأن البيت صغير جداً علينا!
وأكدت أنها تتمنى انتهاء كابوس الجائحة لتعود الحياة لطبيعتها، خاصة أن وجود الجميع في البيت يشكل ضغطاً من جهة أخرى، فهناك فوضى في مواعيد تناول الطعام، وترتيب وتنظيف البيت أصبح حلماً، ووقت الدراسة مفتوح، هناك حصة تعويضية أو اختبار أو واجبات، مع سلبيات الحصة التي لم تظهر والبوابة الذكية التي لا تفتح دائماً، وسلبيات الجلوس لساعات أمام شاشة حاسوب، مع كل الآثار السلبية على الصحة والنظر.
غياب النشاط والحركة
والدة جود، أكدت أن الدراسة عن بعد تتطلب تفرغاً تاماً من الأم، ولكوني موظفة من الصعب جداً التوفيق بين عملي ودراسة بنتي، وفي أوقات استراحتي أتابع معها قليلاً الدروس، وتحاول أختها الأكبر مساعدتها، وبمجرد عودتي أبدأ بشرح ما لم تفهمه من الدروس، خاصة أن شرود الطالب وارد جداً بسبب شعوره بالملل من الجلوس لساعات أمام الحاسوب، لذا أشعر بالضيق والصدمة لعودة الجائحة بهذه القوة، واضطرارنا للبقاء في دراسة الاون لاين، وأتمنى بالفعل أن تنتهي الجائحة ويعود التعليم المباشر الأكثر فائدة للأطفال، حيث للأسف غاب عنهم أيضاً النشاط والحركة، وأصبحوا يميلون إلى الكسل والخمول والجلوس أمام الشاشات لساعات طويلة.
سلوكيات سلبية
ويشير خالد محمود آغا، موجه الخدمة الاجتماعية والتربية الخاصة، إلى أن التعليم عن بعد أصبح ضرورة ملحة، تمليها الظروف وخاصة في وقت الأزمات، وانتشار الأوبئة والفيروسات التي تتطلب اتخاذ الجوانب الاحترازية. وجائحة كورونا التي تجتاح العالم، وضعت الحكومات في الدول والمجتمعات البشرية حول العالم وجهاً لوجه أمام منظومة تعلم جديد لاستكمال العملية التعليمية أو التوقف فكان لا بد من «التعليم عن بعد» باستخدام الحاسوب، والإنترنت، والوسائط المتعددة.  ورأى إن «منظومة التعليم عن بعد» خففت الضغط على أولياء الأمور من حيث سهولة ويسر العملية التعليمية، وعدم تأثرها بإغلاق المدارس أبوابها مع انتشار كورونا.
ويورد مجموعة من النقاط الإيجابية التي حققتها تجربة «التعليم عن بعد» منها المساعدة في استمرار العملية التعليمية في ظل التدابير الاحترازية التي تعتمدها المؤسسات التعليمية لاحتواء انتشار عدوى كورونا، ومنها تنمّية الإحساس بالمسؤولية عند أبنائنا الطلبة وجعلتهم قادرين على كسب المهارات والتحصيل العلمي وإقبالهم على العملية التعليمية. وكذلك الثقة بالنفس فجعلتهم معتمدين كلياً على أنفسهم في العملية التعليمية، المساعدة بصقل المهارات الشخصية للطالب، تمكين الطلاب من الوصول إلى المحتوى التعليمي في أي ظرف وأي مكان وفي أي وقت، ما يُساعدهم أثناء فترة التحضير والإعداد للاختبارات الدراسية. 
وفيما يتعلق بسلبيات التعلم من المنزل، فرأى أن الكثير من الطلاب يجدون صعوبة في التركيز والانتباه عندما يكونون محاطين بجملة من المشتتات داخل المنزل. كونهم لم يعتادوا على استخدام هذا النموذج من التعليم الذي يتطلب منه تعلماً وانضباطاً ذاتياً ، ناهيك عن ضعف المصداقية في نتائج تقييم الطلاب، وقد تظهر السلوكيات السلبية مثل الغش، والذي يتمثل بقيام أي شخص بكتابة أو حل الواجب أو القيام بالمشروع بدلاً من الطالب الفعلي نفسه، أضف لذلك الصعوبات المادية والاجتماعية.
ومن السلبيات أيضاً عدم، قدرة بعض أولياء الأمور المشاركة في تعليم أبنائهم من خلال منظومة التعلم عن بعد والتي تحتاج إلى تدريب وإعداد لأولياء الأمور، وذلك لتفعيل دورهم في استمرارية العملية التعليمية.
 

سلبيات وإيجابيات

الدكتورة شريفة المرزوقي، عضو هيئة تدريسية، مديرة المركز الإعلامي بجامعة الشارقة، رأت أن العلاقة بين الأسرة والأبناء خلال فترة التعلم عن بعد، إيجابية إلا أن هناك ناحية سلبية يجب تداركها.
وقالت أصبحنا على دراية أكثر بمستوى أبنائنا الذين أصبحوا يعتمدون أكثر على أنفسهم، لكن من الضرورة الإشارة إلى أن بعض الأساتذة غير قادرين على توصيل المعلومة عن بعد للطلبة ما يشكل عبئاً على ولي الأمر.
 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"