إعلامنا المحلي.. وسطوة عمالقة التواصل الاجتماعي

00:02 صباحا
قراءة 3 دقائق

شهد العالم خلال الأسبوع الماضي، مواجهة دولية من نوع جديد، فبعد الحرب التجارية بين الدول (أمريكا والصين مثلاً)، ها نحن اليوم أمام صراع بين دولة وشركات عملاقة باتت تعد نفسها أكبر من الدول.

الدولة هي أستراليا، سادس أكبر دولة مساحة وال 13 بين أكبر الاقتصادات، التي «تجرأت» وأصدرت تشريعاً يجبر عمالقة التقنية على دفع المال لوسائل الإعلام المحلية، مقابل إبراز محتواها والسماح بتداول ما تنشره من أخبار. 

عملاق البحث «جوجل» هدّد بوقف الخدمات في القارة الواقعة عند أطراف العالم، قبل أن يذعن ويوقّع اتفاقيات مع وسائل إعلام أسترالية - لا تزال غير معروفة التفاصيل - فيما فاجأ «فيسبوك» الأستراليين، باتخاذ خطوة وقف بث المحتوى الإخباري على منصة التواصل الاجتماعي. 

لسنوات والإعلام المهني في العالم يواجه بصدره العاري تغوّل عمالقة التقنية، حتى خسر أكثر من 80 إلى 90% من الدخل الإعلاني لمصلحة شركات مثل «جوجل» و«فيسبوك»، وبقية وسائل التواصل التي لا تصنع أي محتوى يذكر، لا بل إنها تعيش على المحتوى الذي يوفره الإعلام وخصوصاً الصحفي المطبوع منه. 

هذا الإعلام المهني الذي لا يملك دخلاً معتبراً سوى الإعلانات، فضلاً عن الاشتراكات التي تشكل من المدخول النسبة الدنيا، يقوم بتطوير وسائل النشر الإلكتروني على أمل المحافظة على نسبةٍ ما، من الإعلانات الإلكترونية. مع العلم أن هذه النسبة مهما كبرت فإنها زهيدة. لماذا؟ 

طبيعة الإعلانات الإلكترونية تقوم على الكمّ، وبالتالي فإنها رخيصة جداً، ولذلك قامت دول مثل فرنسا والآن أستراليا بالتحرك على المستوى التشريعي لحفظ بعض الحقوق. 

حقوق الملكية الفكرية التي تشكل أحد أركان الصراع التجاري الأمريكي - الصيني، لا تحترمها الشركات الأمريكية، (جوجل وفيسبوك) عندما يتعلق الأمر بالإعلام، فمحرك البحث يستبيح المواقع الإلكترونية بحجة تقديم خدمة، فيما المعلوم أنه هو المستفيد الأكبر وبدون مقابل يذكر. مع العلم أن نشاط إعلانات «جوجل» تجاوز 46 مليار دولار في أل 3 أشهر الأخيرة من العام الماضي فقط.

لقد هددت «جوجل» بالانسحاب بالكامل من القارة الأسترالية، فيما عمدت «فيسبوك» إلى وقف خدمات المحتوى الإخباري بدون اكتراث. لماذا؟ لأن حكومة أستراليا وقبلها فرنسا تحاول التعامل بشكل ممنهج مع القوة السوقية لعمالقة التقنية وتأثيرهم في وسائل الإعلام.

رئيس الوزراء الأسترالي بحث المسألة مع نظيريه الهندي والكندي، في محاولة لتثبيت نهج دولي للوقوف بوجه غطرسة عمالقة التقنية التي تسعى جاهدة إلى إبقاء التنظيم الحكومي في أمريكا وخارجها بعيداً عنها.

في خضم هذا الصراع، تبرز مشكلة أكبر تتمثل بأن مجموعة «فيسبوك» كانت على علم بأن تقديراتها لعدد مستخدميها غير موثوقة، ومرتفعة بشكل اصطناعي، لكنها تجاهلت الأمر لجني مزيد من العائدات الإعلانية. وتواجه شبكة التواصل الاجتماعي العملاقة منذ 2018، دعوى قضائية جماعية مفادها أن بيانات «فيسبوك» للإعلانات مبنية على أرقام مضخمة عن الجمهور المحتمل للحملات الإعلانية. ويقترب صافي عائدات «فيسبوك» من الإعلانات من 100 مليار دولار.

نحن هنا أمام غطرسة موصوفة، لشركات متهمة من السلطات الفيدرالية باستغلال موقعها المهيمن، ولم تنجح في كفّ المعلومات المضللة عن الجمهور. وها نحن مجدداً أمام طلب من الكونجرس الأمريكي من رؤساء «فيسبوك» و«جوجل» و«تويتر» الإدلاء بشهاداتهم في  جلسة استماع مخصصة لمناقشة ظاهرة المعلومات المضللة التي تكتسح منصات الإنترنت. فهل تنجح حكومات العالم في رسم حدود عمالقة التقنية وإنقاذ الإعلام المهني والقارئ الذي أرهقته المعلومات المضللة؟

إن التحرّك الحكومي على مستوى دولة الإمارات وحتى خليجياً، بات ضرورياً أكثر من أي وقت مضى؛ للوقوف إلى جانب الإعلام المحلي الذي يعاني كذلك هذا التغول لعمالقة التقنية. الإعلام المحلي يحمل على أكتافه، منذ عقود، مهمة إبراز الصورة المشرقة لدولة الإمارات، وإنجازاتها على كل الصعد، وبات اليوم من خلال وسائله المطبوعة، ووسائطه الإلكترونية، أكثر تأثيراً على صعيد حمل رسالة الإمارات إلى الخارج، بما يقدمه من محتوى مهني رفيع المستوى للعالم. 

دعم الإعلام المهني المحلي من شأنه أن يحمي المجتمع من التضليل المنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي؛ من خلال تقديم المحتوى المهني؛ ودعم وصوله إلى أكبر شريحة ممكنة، وكذلك يوجه جزءاً من إيرادات إعلانات الشركات المحلية إلى السوق المحلية بدل أن تذهب بنسب كبيرة حكراً إلى الشركات العالمية.

رائد برقاوي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"