الحديث عن تراجع دور النقد الأدبي في الساحة العربية ذو شجون، بل يتجاوز البعض فكرة «التراجع» إلى الغياب التام، فنحن نعيش حالة خرس نقدي طويل، الأمر الذي انعكس بالسلب على الإبداع بصورة عامة. والملاحظة الأكثر إثارة للانتباه، أن معظم من يشيرون إلى غياب النقد، يقصدون ذلك الشرح والتحليل المصاحب للنصوص الأدبية، ويتجاهلون عدة أبعاد في أفق النقد بمعناه الواسع، مثل التنظير الفكري للنقد والذي اختفى بدوره منذ عدة سنوات، بالإضافة إلى نوع من النقد يندر أن يشير إليه أحدهم، ونعني به تلك النصوص التي استطاع أصحابها أن يجعلوا من النقد إبداعاً ممتعا في حد ذاته. مثل هذه النصوص، النادرة الآن، كانت مزدهرة في فترة سابقة من ثقافتنا، ونجحت في أن تجذب القارىء ليس إلى الأدب المعاصر، ولكن أخذت بيده ليتجول في تاريخ الأدب ودفعته ليطالع نظريات النقد ويتعرف إلى أعلامه، و ليبحر أحياناً في علوم اللغة.
أن يتحول النقد إلى إبداع حلم بعيد المنال في راهن ثقافتنا، ولكنه حلم يمنح القارىء عين ثالثة يبصر من خلالها مختلف أبعاد الثقافة.
