عادي

«نيوز أوف ذا وورلد».. فيلم من الطراز القديم

22:34 مساء
قراءة 5 دقائق
Video Url
1
1

مارلين سلوم

سريعاً تنتقل الأفلام في زمن العزل والتدابير الاحترازية من الصالات إلى البيوت، ولم تعد إعادة التوزيع هذه دليل فشل، بل مكسب لصناع الأفلام، وإن بدت في ظاهرها خسارة، إذ صارت أمنية المنتجين والنجوم مواصلة العمل والوصول إلى المشاهدين بأي طريقة. ومهما كانت العروض السينمائية تدر أرباحاً على هؤلاء، إلا أنهم اليوم يفضلون اللجوء إلى القنوات البديلة، مثل المنصات، وأشهرها «نتفليكس»، لتحقيق أعداد مشاهدة وضمان استمرارية «الفن السابع». 
«نيوز أوف ذا وورلد» من الأفلام الجديدة على «نتفليكس»، وهو من أعمال توم هانكس الناجحة جداً، والممتعة جداً، والإنسانية جداً.
هناك نزعة إنسانية واضحة لدى هذا النجم، ولعلها بدأت تتضح أكثر فأكثر مع تقدمه في العمر، واتساع حجم خبرته السينمائية، ونضوج موهبته وثقافته، وعمق أفكاره ووعيه. كل هذه الأمور تنعكس على خيارات هانكس للأعمال التي يوافق على تصويرها وتقديمها للجمهور. وتوم هانكس من الممثلين الذين يحترمون جمهورهم ويحرصون على صورتهم، ويدققون في كل كلمة، إضافة إلى موهبته الفذة، وسلاسة أدائه وصدق ملامحه التي تجبرك على تصديقه والاقتناع بأنه يعيش الحالة من أعماق روحه وقلبه.
«نيوز أوف ذا وورلد»، أو «أخبار العالم»، يعود بنا إلى الأجواء الأمريكية القديمة، وتحديداً عام 1870، منطلقاً من شمالي تكساس. الفيلم كتبه وأخرجه بول جرينجراس، وشاركه في الكتابة لوك دايفيس، وأخذا القصة عن رواية بالاسم نفسه للكاتبة بوليت جيلز، صدرت عام 2016. طبعاً ليس سهلاً أن تعيد إلى الشاشة الأجواء نفسها التي سادت في أمريكا بعد نهاية الحرب الأهلية، وتحيي صوراً لا يعرف عنها شباب اليوم الكثير، وفي ظل غياب أفلام «الويسترن»، و«الكاوبويز»، عن «هوليوود». والقصة تعكس كل الجوانب الاجتماعية والنزاعات العنصرية والصراعات التي كانت سائدة في ذلك الوقت، ورفض بعض الولايات، أو حتى القبائل والعصابات، التخلي عن الفكر العنصري رغم نهاية الحرب، وعن فكرة سيادة البيض واضطهادهم «للعبيد السود»، والتمييز العنصري نفسه الذي عرفه «الهنود» وتسلط «رعاة البقر»..
بول جرينجراس الذي عمل مع توم هانكس في «كابتن فيليبس»، يقدم اليوم عملاً ضخماً، يذكّرنا إلى حد ما بروائع الأفلام الأمريكية القديمة مثل «ذهب مع الريح». اهتم بأدق التفاصيل، ولم يقع في أخطاء فادحة، ولم يبالغ في تجسيد المجازر التي راح ضحيتها أبرياء بسبب لونهم، أو هويتهم، بل يتركك تستمتع بفيلم «من الطراز القديم»، وبأداء أكثر من رائع للنجم توم هانكس الذي لا يغيب عن الشاشة ولو ثانية منذ البداية، وحتى النهاية، من دون أن تشعر بملل منه، أو بأنه يحتكر الشاشة عنوة وطمعاً في نجومية زائدة. وشريكته في البطولة الطفلة الألمانية هيلينا زينجل، ابنة ال12 عاماً وتجسد في الفيلم دور طفلة ألمانية لم تتجاوز العشرة أعوام، وقد تم ترشيحها حديثاً لجائزة «جولدن جلوب» كأفضل ممثلة ثانوية، كما تم ترشيح جيمس نيوتن هيوارد لأفضل موسيقى أصلية في الفيلم، زينجل، تستحق الجائزة والقفز منها إلى الأوسكار لأنها تجسد دوراً في غاية الصعوبة، لا يمكن أن تؤديه إلا ممثلة تملك موهبة قوية ومتمكنة من أدواتها، وتقف بكل ثقة وجرأة أمام نجم بحجم هانكس وتجاريه في التجلي بالأداء. ومعهما أيضاً مجموعة من الممثلين الجيدين مثل راي ماكينون، وإليزابيث مارفل، وبيل كامب، وتوماس فرانسيس مورفي.
نجم يتجدد
صحيح أنه سبق لهانكس أن جسد أكثر من مرة دور كابتن، مرة رأيناه في الجو، ومرة في البحر، ومرة متقاعد، إلا أنه لا يكرر نفسه لا من حيث القصة وأهدافها وأبعادها، ولا من حيث الأداء، كأنه يتجدد فيجدد فيك نظرة الإعجاب له. هذه المرة هو الكابتن جيفرسون كايل كيد، شارك في الحرب، لكنه الآن يسافر من منطقة إلى منطقة، ومن بلدة إلى بلدة، حاملاً معه الصحف ليقرأها على السكان، ويجني منهم الأموال. وجيفرسون ليس قارئاً عادياً، فهو رجل مثقف، كان يملك دار نشر ومطبعة خسرها خلال الحرب، فقرر أن يعمل قارئاً لأخبار العالم، خصوصاً أن الأمية كانت سائدة والصحف غير منتشرة بكثرة، ولا إذاعة ولا تلفزيون، ما يجعل الناس ينتظرونه ويقبلون عليه، يتحلقون ويسمعون الأخبار كأنها قصص، ويتفاعلون معها خصوصاً عند سماعهم لقرارات رسمية أو بيانات أو أحكام قانونية. وفي هذا الشق، يعرف كيف يستغل وظيفته الكابتن كيد ليمرر رسائل سياسية وطنية تحث الناس على رفض العودة إلى العنصرية والعبودية والإذلال والقهر. ومع بداية الفيلم، نشعر بأن كيد يؤدي دور القارئ الراقي، فيرتدي بذلة أنيقة، ويهتم بشكله قبل وقوفه أمام الناس ليلاً.
لا يمكث طويلاً في أي من البلدات التي يقصدها، وفي إحدى تنقلاته، يفاجأ الكابتن بجثة رجل أسود معلقة على شجرة، ومرفقة بورقة مكتوب عليها «تكساس تقول لا.. تكساس للبيض». وعلى بعد خطوات يجد بقايا خيمة، وعربة، وفتاة لا تتجاوز العشرة أعوام خائفة، وبجانبها ما يشبه الشهادة مكتوباً عليها اسم الفتاة جوهانا (هيلينا زينجل)، من عائلة ألمانية اختطفتها قبيلة كايوا الهندية بعد مقتل أفراد عائلتها، قبل ستة أعوام. الطفلة لا تتحدث إلا لهجة «الكايوا»، ولا تذكر من الألمانية سوى بضع كلمات متفرقة. يأخذها الكابتن كيد ويقرر البحث عن خالتها وزوجها الوحيدين من أسرتها، لكن الطفلة متمردة، يصعب ترويضها، كما يصعب على جيفرسون التواصل معها بالكلام كي لا تخاف منه وتفهم ما يحصل.
نماذج أمريكية
خلال الرحلة التي يعبرها الكابتن والفتاة، نرى الكثير من المغامرات المشوقة، نماذج مما عاشه الأمريكيون في مختلف المدن والمقاطعات، أوجه الصراع السياسي والاجتماعي، الهنود يقتلون المستوطنين والمستوطنون يقتلون الهنود، بعض الرأسماليين من أصحاب المناجم أو أصحاب المزارع يستغلون الفقراء حتى إن كانوا من أصحاب البشرة البيضاء مثلهم، فقر وجوع وعصابات ومطاردات وقتل.. ورغم كل ذلك، عرف المخرج كيف يجعل كل تركيزنا على قصة جوهانا والكابتن كيد، ومسار رحلتهما، وكيفية التواصل بينهما، وتلك العلاقة الجميلة التي تبدأ بإحساس إنساني راقٍ من قبل الكابتن تجاه الطفلة، وحبه لمساعدتها وحمايتها من قُطاع الطرق والهنود وكل الطامعين فيها، يقابله رفض تام من الطفلة لهذا الرجل الذي تحسبه يريد اختطافها، والمراحل التي تمر بها هذه العلاقة وتتطور إلى الإحساس بالأبوة والمشاعر النبيلة، خصوصاً أن الطفلة عرفت مجموعة مآسٍ، وتيتمت مرتين، أول مرة عندما قتلت عائلتها، وعاشت مع القبيلة وكبرت معتقدة أنهم أهلها، والمرة الثانية حين قتل أفراد القبيلة، وبقيت وحيدة على قيد الحياة.
التشويق لعب دوراً مهماً في جذب الجمهور، لكن النص المتماسك والحبكة القوية وأمواج المغامرات التي تصعد حيناً وتهبط أحياناً، لعبت دوراً مهماً في إنجاح العمل، وتقديم صورة واقعية عن أمريكا التي لم تكن حلماً لأحد، بل كانت أشبه بمقاطعات عشوائية تحكمها أهواء عصابات عنصرية وقبلية.

[email protected]

الصورة
1
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"