عادي

مؤتمر ميونيخ.. لماذا غابت روسيا والصين؟

00:22 صباحا
قراءة 4 دقائق
1

كتب- المحرر السياسي:

لمس المتابعون لمجريات مؤتمر الأمن في ميونيخ الذي عقد افتراضياً هذا العام، توجهاً غربياً موحداً في مخاطبة دول العالم، خاصة الفاعلة منها، معززاً بوجود زعيم في البيت الأبيض، مطالب بترميم كل تصدعات الرابطة التي تجمع بين ضفتي الأطلسي، ويبدي استعداداً مسبقاً لتكرار نفس الخطاب الذي يكرره حلفاؤه الأوروبيون وعلى رأسهم أنجيلا ميركل وإيمانويل ماكرون.

أعرب منظمو المؤتمر الذي عقد افتراضياً لمدة ثلاثة أيام من 19 إلى 21 فبراير/ شباط؛ بسبب جائحة كورونا، عن سعادتهم بمشاركة جو بايدن عن بُعد. وقالوا في تغريدة «يسعدنا ويشرّفنا أنّ جو بايدن سيعود افتراضياً إلى منصّة المؤتمر في 19 فبراير/شباط».
 ويعد المؤتمر الذي يعقد دورياً مرة كل عام، ملتقى لتبادل الآراء والأفكار حول القضايا الملحة عالمياً، فضلاً عن تبادل الخبرات العسكرية؛ وهي المهمة التي تقوم بها وزارات الدفاع في الدول الأعضاء.
وتميز هذا العام بمشاركة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن كرمز لعصا واشنطن التي تحاول استعادة هيبتها في عالم مبعثر.
 لكن الأهم من ذلك هو حماسة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن الذي استغل منصة المؤتمر؛ لرسم خريطة طريق بالخطوط العريضة، حددت معالم سياسة الدولة العظمى التي يحاول بايدن إحياءها كما يعتقد، لتقود العالم الحر نحو المحافظة على قيم الديمقراطية الليبرالية التي فقدت بريقها في عيون شعوب دول الغرب قبل غيرهم.
ولعل انتشار حركات التطرف اليميني والحركات الشعبوية التي باتت مصدر صداع يؤرق بايدن قبل غيره، يقدم الدليل على ضرورة مسارعة الرئيس الجديد إلى حشد المنافحين عن قيم الغرب.
 نقطة تحول
 ولم تكن مصادفة أن يستخدم جو بايدن مصطلح «نقطة تحول» ثلاث مرات في خطابه. وقد ركز فيها على أن الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة يجب أن يثقوا مرة أخرى في قيادة واشنطن. وقال من البيت الأبيض: «أتحدث إليكم اليوم كرئيس للولايات المتحدة، في بداية إدارتي، وأبعث برسالة واضحة إلى العالم، لقد عادت الولايات المتحدة، لقد عاد التحالف عبر الأطلسي. نحن مصرون على إعادة التعامل مع أوروبا والتشاور معكم واستعادة مكانتنا في موقع القيادة التي تثقون بها».
وحذر بايدن الذي كان قد تحدث قبل ذلك بيوم إلى قادة مجموعة السبع المجتمعين في لندن، بشدة من التهديدات التي تشكلها روسيا والصين. وقال: إن «الكرملين يهاجم ديمقراطياتنا ويستخدم الفساد سلاحاً لمحاولة تقويض نظام حكمنا». واتهم بايدن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالعمل على إضعاف المشروع الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
وكان طبيعياً ألا تسلم الصين من انتقادات بايدن الذي حث حلفاءه على مواجهتها اقتصادياً وسياسياً، واتهمها بتقويض النظام الاقتصادي العالمي. ومعلوم أن تمتين أواصر العلاقات بين الحلفاء في الغرب يحتاج إلى مثل هذا الخطاب الذي يركز على توصيف العدو المشترك والكشف عن التحديات المفترضة وسبل مواجهتها.
 ولم ينس بايدن الملف الإيراني، داعياً دول العالم الحر إلى مواجهة أنشطة طهران التي اتهمها بزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط مؤكداً استعداد واشنطن للدخول مع شركائها في مفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني.
ولقيت نغمات بايدن ترحيباً من الراقصين بين مجموعة السبع، وعلى رأسهم أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية التي أكدت في حديث صحفي بعد قمة السبع، أن التعددية السياسية ستتمتع بحظوظ أوفر؛ بفضل دعم الإدارة الأمريكية الجديدة. كما أكدت مجدداً خلال كلمتها أمام مؤتمر ميونيخ، ضرورة تطوير سياسة أطلسية؛ لمواجهة موسكو.
 ويتعين على ميركل وماكرون الزعيمين الأوروبيين المشاركين شخصياً في أعمال المؤتمر، الموازنة بين دور كل منهما كزعيم لدولة لها مصالح خاصة وعلاقات مميزة مع الولايات المتحدة، ودورهما معاً كلاعبين رئيسيين في دعم كيان الاتحاد الأوروبي والمحافظة عليه كتلة سياسية متماسكة لها حضورها على المسرح العالمي.
 الغياب
وتشارك عادة في أعمال المؤتمر مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة في مجال الأمن العالمي؛ لكن دورة هذا العام افتقرت لحضور لاعبين مهمين؛ منهم الصين وروسيا وبعض زعماء الشرق الأوسط. وقال وولفغانغ إيشينغر رئيس مجلس إدارة المؤتمر: «هذا حدث أمريكي-أوروبي؛ لتوحيد عملنا، والمشاركة في القضايا العالمية مثل: المناخ والوباء والحرب على الإرهاب».
 وتطرق المؤتمر في يومه الأول لأهم القضايا العالمية مثل جائحة «كوفيد-19». وشارك فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس ورئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون ديرلايين، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، وكذلك بيل جيتس والمدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس جيبريسوس.
 كلام الليل يمحوه النهار
وإذا كان التحشيد يتطلب خطاباً محشواً بالآمال والألغام، فإن لغة الواقع تتطلب حسابات دقيقة ومعرفة عميقة بمختلف المعادلات الجيوسياسية التي تحكم الأفعال؛ فالولايات المتحدة حالياً في وضع لا يتيح لها رفع العصا في مواجهة روسيا أو الصين أو كليهما معاً في ظل انقسامات تتطلب جهوداً مكثفة ودؤوبة؛ لإعادة توحيد الأمريكيين قبل التصميم على المواجهة.
وفي الوقت الذي يعاني فيه العالم تبعات انتشار «كوفيد-19»، وتعلو الأصوات المنادية بتنسيق الجهود لمواجهته، وتوزيع اللقاح على الدول الفقيرة، تصبح الأصوات الداعية للمواجهة والتصعيد نشازاً.
من جهة أخرى، لا تبدو الصورة كما يريدها خطاب بايدن عندما يتعلق الأمر بتمتين الروابط بين ضفتي الأطلسي.
فلدى الولايات المتحدة التزامات أمنية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لا يلتزم بها الاتحاد الأوروبي، الذي يحرص على تأكيد أن علاقته مع الصين تجارية فقط.
ولا تزال هناك اختلافات خطرة في السياسة، بين ضفتي الأطلسي؛ بل وداخل المجتمع الأوروبي نفسه؛ إذ وقف الاتحاد الأوروبي إلى جانب الولايات المتحدة في الضغط على ألمانيا؛ للتخلي عن خط أنابيب نورد ستريم 2 مع روسيا؛ لكن الولايات المتحدة لم تنجح في إقناع الحلفاء باتباع نهج أكثر حذراً مع الصين - سواء في التجارة أو تكنولوجيا اتصالات الجيل الخامس.
وأخيراً انفض المؤتمر، وبقيت الأسئلة القديمة معلقة، فهل ستلجأ الولايات المتحدة في حالة الضرورة للدفاع بقوة السلاح عن بلد حليف في الناتو؟ وهل تطالب بلدان الاتحاد الأوروبي بالتعاون بشكل أوثق في قضايا الدفاع؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"