عادي

سارة كوتنر.. إنسان العصر نسخة معيبة

22:49 مساء
قراءة 3 دقائق
3

القاهرة: «الخليج»

مرت دولة ألمانيا خلال القرن الماضي بحربين عالميتين، ثم عانت لفترة من تقسيمها إلى شطرين، تبعتها مرحلة إعادة وتوحيد الألمانيتين، وكان لهذه المراحل التاريخية مردود واضح على الثقافة والأدب الألماني، إضافة إلى كون اللغة والثقافة الألمانية ليست مقصورة على دولة ألمانيا الاتحادية فحسب؛ بل تضم كلاً من النمسا وسويسرا.

لقد عرف عن الألمان على مدى قرون أنهم شعب أنجب الفلاسفة والأدباء والموسيقيين، الذين تركوا بصمة واضحة في تاريخ الثقافة البشرية، فقيل عنهم إنهم شعب من الأدباء والمفكرين أمثال جوته وشيللر وتوماس مان وبريشت ونيتشة وليبنتز وكانط وشوبنهاور وغيرهم.

ترى ناهد الديب، مترجمة رواية «نسخة معيبة» للكاتبة سارة كوتنر، أن القارئ العربي لم يتعرف إلى الثقافة الألمانية بالقدر الكافي بسبب قلة عدد الكتب المترجمة عن اللغة الألمانية مباشرة، موضحة أن فترة الستينات من القرن العشرين، شهدت تحولاً جذرياً في الموضوعات الأدبية عامة، بسبب الأحداث السياسية التي سادت العالم، وأصبحت مقاومة كل أشكال الاضطهاد سمة عامة في الأدب.

أما القرن ال21، فقد حمل معه معالجة موضوعات جديدة، وخلاله أثبتت المرأة أنها قادرة على التعبير عما يدور حولها، وما يدور بداخلها، وجاءت رواية «نسخة معيبة» لسارة كوتنر، خير دليل على أن نجاح العمل يرتبط باختيار الموضوع، وكيفية معالجته، والدليل على ذلك أن الساحة الألمانية استقبلت الرواية بترحاب شديد.

اختارت كوتنر، موضوع روايتها وعنوانها بذكاء شديد، يدل على أنها لمست وتراً حساساً لدى الإنسان، الذي يعيش اليوم في ظل ظروف حياتية معقدة ومتشابكة، فرضت على الجميع الانخراط في دوامتها، فالنسخة المعيبة من كتاب معناها أن به عيباً خارجياً ظاهراً، ناتجاً عن التخزين أو النقل، ما يسمح ببيعه بسعر أقل من السعر المحدد.

قصدت كوتنر، بهذا العنوان بطلة روايتها كارو هيرمان والتي بترت اسمها الأصلي الكامل، ومن ثم أصبح ناقصاً ومعيباً، وكارو تقول عن نفسها إنها إنسانة متعبة ويصفها صديقها بأنها نسخة معيبة، لما لمسه منها من عصبية، ونفاد صبر، فضلاً عن ثورتها لأتفه الأسباب، وكذلك شعورها بالحزن، وبكائها بصفة مستمرة.

يعرف القارئ من الصفحات الأولى للرواية، بأنه أمام شخصية تقر بما فيها من صفات معيبة، ومن ثم تقترب الكاتبة من موضوع الاكتئاب الذي انتشر بين فئات معينة في المجتمع، بعد أن فقد الإنسان شعوره بالطمأنينة على يومه وغده، ما جعله فريسة للاكتئاب، فهناك كثير من البشر يعانون في صمت من اضطرابات نفسية، يمكن إرجاع أسبابها إلى طبيعة الحياة اليومية، ذات الوقع السريع.

حاولت كوتنر، من خلال كارو هيرمان، تناول موضوع الاكتئاب، ونقلت صورة واقعية متناهية الدقة، عن أعراض الاكتئاب وأسبابه، وكذلك إمكانية علاجه، دون أن تخلو الرواية من لمحات فكاهية، واستطاعت أن تضمن عملها أبحاثاً علمية، جاء فيها أن المرأة أكثر تعرضاً للإصابة بالاكتئاب من الرجل، وأنه مرض وراثي، وابتعدت عن الإشارة بإصبع الاتهام إلى الرجل، باعتباره المسؤول عن مشكلات المرأة.

ولدت سارة كوتنر في برلين الشرقية في 29 يناير عام 1979 وسافرت خلال سنوات دراستها إلى لندن للعمل جليسة أطفال، وسنحت لها الفرصة للتدريب في مكتب مجلة «دير شبيجل» الألمانية في لندن، وتعرف المستمع الألماني إليها عام 2000 من خلال صوتها كمقدمة لبرامج الشباب في إذاعة برلين، مقتدية في ذلك بوالدها، الذي يعمل مذيعاً في الإذاعة الألمانية، ثم عرفها المشاهد الألماني في العام التالي كمقدمة برامج حوارية متميزة.

ربما يرجع نجاح الرواية إلى كونها ليست مجرد وصف تجربة سيدة شابة تفقد عملها، ويتركها صديقها، فتصاب بحالة اكتئاب، استمرت لمدة عام، لكنها جاءت في الواقع للمس روح العصر بصدق، وفي حفل التوقيع الذي أعد احتفالاً بالرواية حضره 5 آلاف شخص، أدارت كوتنر، الحوار مع نفسها كمذيعة وصحفية لامعة ومؤلفة الكتاب في ذات الوقت، فاستطاعت أن تسيطر على الجمهور لمدة ساعتين، تقرأ من الرواية، والحاضرون يستمعون بتركيز شديد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"