أقلام خجولة

22:59 مساء
قراءة 3 دقائق

علاء الدين محمود

لم يكن طريق النساء العربيات إلى عالم المسرح مع بدايات تأسيسه في مطلع القرن السابق مفروشاً بالورود، بل ظلت توجد على الدوام صعوبات اجتماعية كبيرة، وذلك الأمر جعل «أبو الفنون»، آنذاك ذكوري الطابع، فقد شهد سيطرة الرجال على مستوى كل مفرداته، من أداء وإخراج وكتابة وأفكار، وكذلك على مستوى الأداء التمثيلي، حيث كان الذكور يقومون بالأدوار النسائية، وهذا الأمر شبيه إلى حد كبير بما حدث في أوروبا مع بدايات الحركة المسرحية فيها، ولكن مثلما تطورت الحركة المسرحية في أوروبا عبر مشاركات النساء، حدث ذلك عينه في العالم العربي، وجاء دخول المرأة العربية إلى فضاء المسرح في منتصف القرن الماضي. 

ورغم الدور الكبير للنساء في تطوير المسرح، في ذلك الوقت مع ظهور أسماء سطعت كالنجوم المتلألئة في سماء الدراما العربية من أمثال: ملكة سرور، هيلانة بيطار، مريم سماط، ميليا ديان، وردة ميلان، ماري صوفان، فاطمة اليوسف، ماري منيب، وثريا فخري، وأمينة رزق، رغم كل ذلك، إلا أن النساء ظللن يشاركن فقط على مستوى الأداء التمثيلي، دون الولوج إلى جوانب العمليات المسرحية الأخرى.

ويرى كثير من النقاد والمشتغلين على المسرح، أن النساء لم يكن فاعلات على مستويات مهمة من العمل المسرحي وعلى رأسها الإخراج والكتابة والتأليف، فقد استمرت النصوص المسرحية ولفترة طويلة تكتب وتخرج بواسطة الرجال دون النساء، وذلك الأمر خلق غياباً كبيراً، خاصة فيما يتعلق بالكتابة حول قضايا النساء بأقلامهن وأفكارهن، فحتى النصوص التي كانت تتحدث عن قضايا المرأة، كانت تكتب بواسطة الرجال، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية، حيث ضيق ذلك الأمر من أفق الكتابة عن المرأة، وجعلها أسيرة البعد الواحد.

وعلى الرغم من التطور الكبير الذي شهده المسرح العربي في السنوات الأخيرة، وكذلك في مجال قضايا النوع «الجندر»، إلا أن الأقلام النسائية على مستوى الكتابة لا تزال خجولة وشحيحة وبسيطة لا تتجاوز في عددها أصابع اليد الواحدة على مستوى كل العالم العربي، وهذا يضع أكثر من علامة استفهام، فالمرأة استطاعت أن تقتحم الكثير من الأجناس الإبداعية في الشعر والرواية والفنون التشكيلية وهناك الكثر من الأسماء الكبيرة في تلك المجالات، لكن حقل الكتابة المسرحية لا يزال عصياً على النساء.

ومما يزيد من الحيرة، أن قضية شح النساء المؤلفات تعد مشكلة عالمية، فحتى في أوروبا نجد أن عددهن بسيط مقارنة بالتطور الكبير في الغرب، ما ترك الباب مفتوحاً للكثير من التعليلات، فبعض النقاد يفسرون غياب المرأة عن الكتابة المسرحية بصعوبة ذلك الجنس الإبداعي، وبالطبع فإن ذلك التفسير يخلق اشكالاً كبيراً، فإلى جانب سهولته، فهو غير علمي، وينفي المقدرة الإبداعية عند النساء، وبالتالي أخذه على محمل الجد، فيما تحمل الكاتبة وطفاء حمادي أستاذة النقد المسرحي في الجامعة اليسوعية في بيروت، تفسيراً آخر يبدو غريباً بعض الشيء، فقد ذكرت أن بعض الدراسات التي تناولت أعمال كاتبات نساء، شككت في قدرة المرأة المؤلفة على التفاعل مع القواعد الدرامية التي صنعها مؤلفون رجال بداية من الفيلسوف اليوناني أرسطو، الذي وضع أسس بناء التراجيديا والكوميديا في مؤلفه «فن الشعر»؛ أي أن قواعد الكتابة المسرحية صممت بشكل ذكوري الطابع، بالتالي وجدت المرأة نفسها أمام خيارين: إما التفاعل مع أسس الكتابة التي وضعها الرجال، وإما رفضها وهدمها.

لكن، رغم كثرة التفسيرات، يظل الواقع يؤكد ضعف المشاركة النسائية على مستوى الكتابة المسرحية، بالتالي فإن الساحة الإبداعية تظل تفتقر إلى الإسهام الأنثوي في ذلك المجال.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"