ألف لوم ولوم

23:00 مساء
قراءة 3 دقائق

د.باسمة يونس

من أسهل الأمور عند فتح ستار مناقشة ظاهرة عدم إقبال النساء على الكتابة في المسرح إلقاء اللوم على المؤسسات الثقافية والإعلام وخشبة المسرح، لتقصيرهم في استقطاب القلم النسائي مقارنة بحضور الرجال. ومن المكرر سماع الرأي الذي يقول إن ما يدفع النساء للتراجع عن الدخول في تحد الكتابة للمسرح، أن الفوز فيه محسوم لصالح الرجال، ولكن من الصعب الاعتماد على هذا الرأي حينما يتعلق الأمر بالحديث عن عمل أدبي مبدع لا يمكن تجاهل براعة الكاتب فيه أو التفكير بالفرق بين كونه مكتوباً بقلم رجل أو امرأة إن كان نصاً جيداً جداً، وهو ما يجعلنا نستبعد فكرة اللوم أو التمييز بين الجنسين لعدم إمكانية الاستناد إليهما.

وما يثير التساؤل حقاً أنه رغم كل ما حققته المرأة من نجاحات في كافة المجالات والقطاعات من دون تحديد، تبدو شهرة الكاتبات من النساء في مجال الكتابة للمسرح متواضعة تماماً مقابل النجاحات الذكورية في العالم بشكل عام، ففي المملكة المتحدة مثلاً توجد قائمة تتضمن ستين اسماً نسائياً وما يزيد على الثلاثين اسماً في أمريكا وغيرهن في الدول الأخرى، ولكن ما حققه الذكور من شهرة مادية والتفاته نقدية وتشجيع مادي ومعنوي أسهم في ربط نجاح الكتابة المسرحية في المئة عام الأخيرة بأسماء ذكورية مثل «توفيق الحكيم» و«سعد الله ونوس» و«أوجين أونيل» و«تينيسي ويليامز» و«آرثر ميللر» و«أغسطس ويلسون» وغيرهم.

وهكذا، وفي ظل عدم وجود دليل على أن هناك تمييزاً ضد المرأة في المسرح وأمام غياب الدراسات والبحوث المتعمقة في هذا الموضوع لا يعني ذلك بأنه لا يوجد تمييز بالفعل، وقد تكون المفاجأة بما أعلنته دراسة أجرتها جامعة كمبردج في 2009 عن أن التمييز لا يأتي من الرجال كما سيتصور البعض، بل النساء هن اللواتي يميزن في خياراتهن عند القراءة أو التفكير بقراءة النصوص المسرحية، وهو ما قد يفسر الكثير بهذا الخصوص.

ومع أن خيارات النساء قد تبدو العقبة الأكبر أمام إقبال المرأة على الكتابة للمسرح بسبب تفضيل النساء اللواتي يشكلن أغلبية الجمهور القارئ في العالم، قراءة الأعمال المكتوبة بأقلام الرجال، فهذا لا يعني بأن تمييز النساء ضد النساء نابع عن بغض أو غيرة أو استضعاف، لكنه اندفاع طبيعي تقوم به النساء عادة لمعرفة ما يفكر فيه الرجال وما سيقولونه عنهن من خلال قراءة أفكارهم المكتوبة، وهو ما يجعلنا نبحث عن أسباب أخرى، قد تساعدنا في التعمق بدراسة هذه الظاهرة، وتمكننا ربما من وضع أيدينا على ما سيسهم في إيجاد حلول تقودنا، لإنجاح مشروع تمكين المرأة في مجال الكتابة للمسرح.

 الحق يقال إن المسرح وداعميه في الإمارات بوجه عام لم يبخلوا يوماً على النساء في أي مجال من مجالاته، بل شرعوا لهن أبواب منظومته، وفتحوا مسارات التواصل معه بالكتابة والتمثيل والإخراج ودعين للمشاركة فيه بدون التمحيص في سيرهن الذاتية وما تتضمنه من خبرات في هذا المجال بقدر الاهتمام بالسيرة الإبداعية للنص وللإمكانات الإبداعية، وهو ما يدعونا للتفكير بما يمكن أن يكون أكثر الأسباب واقعية في إبعاد المرأة عن الكتابة للمسرح، كأن يكون المجتمع على سبيل المثال.

فهل يمكن القول إن المجتمع متحيز لقراءة وحضور مسرح يكتب نصوصه الرجال بينما لا يرى في قلم المرأة ما يعجبه؟، ولكن هل سيفكر المجتمع بمختلف شرائحه وعقلياته ورؤاه وتنوعه الثقافي في التحيز لجنس الكاتب أكثر من التحيز للموضوع، ولكون النص المكتوب مستوفياً لشروط الإبداع ولديه القدرة على جذب انتباهه والخوض في قضاياه ومساعدته في تحليل وحل مشكلاته؟، ألا تبدو فكرة التمييز والتحيز المجتمعي غير مقنعة هي الأخرى أو تملك دليلاً كافياً يمكن التعويل عليه؟.

إن ما علينا الآن وفي ظل عدم قدرتنا على تحديد أسباب فعلية بدون دراسات واقعية، الدعوة إلى تحفيز المؤسسات التعليمية، لتعزيز قراءة النص المسرحي المكتوب بأقلام نسائية وطرح أسمائهن ومناقشة قضاياهن ضمن المناهج التعليمية، ودفع هذه النصوص للقراءة والمراجعة والتحليل في وسائل الإعلام، وحث المسارح والمهرجانات المسرحية على الاستعانة بنصوص الكاتبات بنسبة معينة، وتقدير هذا الحضور بتشجيع مادي ومعنوي يقدم للمسارح التي تشجع الكتابة النسوية وللكاتبات اللواتي خضن هذا المجال رغم صعوبة الخوض فيه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"