«الناصرية» والعدالة المغيّبة

00:32 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

ما بين ساحة التحرير في بغداد وساحة الحبوبي في قلب مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، ثمة ما يقدر بنحو 370 كيلومتراً، لكنهما شكلتا في خضم الحراك الشعبي الذي انطلق في أكتوبر/تشرين الأول عام 2019، توأماً يكمل أحدهما الآخر، وحين تراجع الحراك في بغداد تحت وطأة القمع، حملت الناصرية راية «الحراك التشريني» بحثاً عن العدالة المغيّبة لكل العراقيين.

لم تكن مطالب متظاهري الناصرية وأهدافهم تختلف عن مطالب وأهداف المحتجين في بغداد والبصرة وبقية محافظات جنوبي ووسط العراق عموماً، والتي تمثلت في قضايا مطلبية ومعيشية مثل تحسين الخدمات وتوفير فرص العمل ومحاربة الفساد والفاسدين، ثم إسقاط الطبقة السياسية الفاسدة المسؤولة عن نهب ثروات وخيرات البلاد، قبل أن يضاف إليها وقف عمليات الخطف والاغتيال ومحاكمة قتلة المتظاهرين، وإقالة الحكومة المحلية وعلى رأسها محافظ ذي قار، لكن يبدو أن الناصرية تحملت عبء مزيد من عمليات القمع والقتل والاغتيال والخطف، وشهدت أكثر من مرة، مجازر جماعية وعمليات اقتحام متكررة لمعقل المتظاهرين في ساحة الحبوبي، ما دفع الناصرية إلى صدارة المقاومة السلمية الباحثة عن تجسيد حلم العراقيين في العدالة، وتحقيق مطالب الحراك الشعبي الذي لم يخبو، وإن تراجع في بعض المناطق.

بهذا المعنى، فإن الشعور بالظلم وانعدام الثقة بين المحتجين والحكومتين المحلية والاتحادية  حيث لم يتغير شيء في الناصرية والمحافظة عموماً على مدار الشهور الماضية، على الرغم من الوعود التي تلقوها من الحكومتين  شكل دافعاً قوياً للنشطاء للإصرار على مطالبهم، خصوصاً بعد الكشف عن ميزانية المحافظة للعام الحالي التي تعتبر الأكبر في تاريخها، والتي تقدر بنحو تريليون دينار عراقي؛ أي ما يعادل 690 مليون دولار.

 وهو ما يقود إلى الاعتقاد بأن حراك الناصرية، ربما يكون ضحية صراع سياسي في المحافظة قبل الانتخابات البرلمانية المرتقبة، وهو ما يفسر إخفاق محاولتين من جانب حكومة الكاظمي في تهدئة الأوضاع في المحافظة، من خلال وفدين الأول في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، برئاسة مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، حيث تم تكليفه بإدارة «لجنة تقصي حقائق» في عمليات قتل واختطاف الناشطين، من دون أن يُسفر ذلك عن شيء، والثاني ضم وزير الداخلية عثمان الغانمي، ورئيس جهاز الأمن الوطني عبد الغني الأسدي، حيث جرت لقاءات موسّعة مع شيوخ العشائر وممثلين عن نشطاء الحراك، وبعض القيادات الأمنية، ولم يحالفه النجاح هو الآخر. 

بعض التسريبات تشير إلى أن الصراع الحالي يقوده محوران، الأول يتزعمه المحافظ ناظم الوائلي الذي يقال إنه يتلقى دعماً من كتل سياسية أبرزها «بدر والدعوة وسائرون» والذي أقيل في الساعات الماضية، سعياً إلى احتواء مطالب المتظاهرين، فيما يقود المحور الثاني نواب المحافظة الذين تقف خلفهم جهات سياسية مناوئة للمحور الأول، حيث تسعى الكتل السياسية إلى فرض إرادتها من خلال استغلال التظاهرات الشعبية للتأثير في الانتخابات المقبلة، وكسب مزيد من المقاعد لصالحها، لما للمحافظة من ثقل سكاني حتى ولو على حساب دماء العراقيين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"