«شويّخ من أرض مكناس»

00:22 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

ذات يوم من أيام عام 1982 أو 1983، حكى الفنان المسرحي البحريني الراحل جاسم شريده للفنان، الملحن والمغني، أحمد الجميري عن لحنٍ جميل وضعه الفنان الشاب، يومها، خالد الشيخ، لقصيدة شاعر مغربي قديم، داعياً إياه لسماعه. ولتسهيل الأمر دعا شريدة الجميري والشيخ إلى بيته، وهناك أسمع خالد الأغنية للجميري، الذي أبدى إعجابه الشديد بها، ورغبته في أن يغنيها، وهكذا كان، سجلت الأغنية أول مرة بصوت الجميري، الذي قال إنه أدخل على اللحن بعض الإيقاع المغاربي.
لكن لوصول هذه القصيدة إلى يد خالد الشيخ حكاية قمينة بأن تذكر، ففي تلك الفترة، بداية ثمانينات القرن الماضي، عثر خالد على كنزٍ شعري، في مكتبة قديمة اسمها «مكتبة البحرين»، كان موقعها في شارع الشيخ عبدالله في سوق المنامة، حين وجد أعداداً من مجلة كانت تصدر في مصر اسمها «الثقافة الشعبية» تعود إلى مطالع خمسينات ذلك القرن، اشتراها خالد كاملة، وفي أحد أعدادها قرأ دراسة للدكتور سامي النشار عن تجربة الشاعر الأندلسي أبو الحسن الششتري، ومجموعة من قصائده بينها تلك التي أسمعها خالد ملحنة، لاحقاً، إلى الجميري، قصيدة «شويّخ من أرض مكناس»، التي ذاع صيتها ولا يزال.
القصيدة كتبها الششتري في المغرب، أما هو نفسه، فمن مواليد غرناطة بالأندلس، وعاش في القرن السابع الهجري، طاف بلاد الأندلس كلها، ثم رحل إلى المغرب وفيها فعل الشيء نفسه، جال كل أقاليمها، وعلى جري شعراء الأندلس وأدبائها وفلاسفتها، قصد الششتري المشرق، وحل به الرحال أخيراً في دمياط بمصر وهناك توفي ودفن.
ويصفه ما هو منشور عن سيرته أنه شاعر زجّال من الأندلس، عرف بزهده الذي قاده إلى التصوف، حتى قيل إنه أول من استخدم الزجل في المعاني الصوفية. أما القصيدة التي لحنها خالد الشيخ وغناها الجميري فكتبها الششتري بداية عهده بالتصوف، «ولأجل أن يطهر ذاته من الكبر لبس ثوباً بالياً ومشى في الأسواق متعكزاً على عكاز»، ينشد هذه القصيدة بالذات، ويقول مطلعها: «شويّخ من أرض مكناس وسط الأسواق يغني/ اش عليّ أنا من الناس واش على الناس مني».
لم تكن هذه القصيدة الوحيدة التي لحنها خالد الشيخ للشاعر، في الزمن الذهبي للأغنية البحرينية، فخالد الذي نبش في نصوص الششتري، لحّن له عدة قصائد غنيت أربع منها، اثنتان غناهما خالد نفسه هما: «كلما كنت بقربي»، «ألا يا مدير الراح»، فيما غنى علي عبد الستار واحدة أخرى هي: «كل وقت من حبيبي».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"