عادي

الجزائر.. «الحراك» يعود من جديد

23:43 مساء
قراءة 4 دقائق
د. محمد عز العرب *
ألقى الرئيس عبد المجيد تبون خطاباً، في 18 فبراير/شباط 2021، موجهاً إلى الشعب الجزائري، عقب غيابه عن البلاد لمدة ثلاثة أشهر؛ لتلقي العلاج من وباء «كورونا» في ألمانيا. وقد تضمن الخطاب جملة من القرارات المهمة على المستويين السياسي والاقتصادي، ومن أبرزها إجراء تعديل وزاري، وحل المجلس الشعبي الوطني؛ (الغرفة الأولى من البرلمان)، والدعوة لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة من (دون تحديد موعد زمني لها).
تجدر الإشارة إلى أنه من المقرر أن يتم تنظيم تلك الانتخابات خلال فترة زمنية لا تتعدى الثلاثة أشهر، ويمنح الدستور لرئيس الدولة الحق في التمديد ثلاثة أشهر أخرى عند الاقتضاء؛ لكن قبل ذلك سيتم تمرير قانون الانتخابات الجديد، ويعد حل البرلمان المرة الثانية التي تحدث في التاريخ السياسي الجزائري؛ حيث كانت المرة الأولى في عام 1992 عقب استقالة الرئيس الأسبق الشاذلي بين جديد، وهو ما يثير تساؤلات بشأن الأسباب التي دفعته لاتخاذ هذا القرار الخاص بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، والتأثيرات الناتجة عنه.
دوافع محفزة
إن هناك جملة من العوامل التي تفسر قرار الرئيس تبون بحل البرلمان الجزائري في هذا التوقيت، على النحو التالي:
1- تعزيز شرعية حكم الرئيس تبون: يأتي قرار حل البرلمان الجزائري في سياق سلسلة من القرارات التي تهدف في مجملها إلى كسب التأييد المجتمعي لسياساته. ومن أبرز تلك القرارات إجراء تعديل وزاري، والعفو عن عدد من سجناء الرأي «المعتقلين» الذين تتهمهم النيابة بـ«المس بالوحدة الوطنية» و«الإضرار بالمصلحة الوطنية» و«إضعاف معنويات الجيش» و«التحريض على التجمهر غير المسلح»، ورفع الحد الأدنى للأجور ليصل إلى 20 ألف دينار، وإلغاء الضرائب على أصحاب الدخل المحدود، مع الوعد بإجراء انتخابات تكون بعيدة عن تأثير العامل المالي، وسيؤول تنظيمها للسلطة المستقلة لمراقبة الانتخابات.
2- امتصاص غضب قوى الحراك الشعبي: إن الهدف من حل البرلمان الجزائري هو امتصاص الاحتقان الشعبي الحاد، عشية إحياء الذكرى الثانية للحراك الثوري (22 فبراير/شباط 2019) الذي أدى إلى إطاحة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في 2 إبريل/نيسان 2019، في ظل تخوف رئاسي بتنظيم تظاهرات حاشدة تعكس عودة الحراك في مختلف مناطق البلاد بعد تراجع تأثيره في أعقاب تفشي فيروس كورونا. فقد انتقدت قوى الحراك الشعبي، المجلس الشعبي الوطني ووصفته بـ«برلمان الشكارة»؛ (أي التزوير المعمم).
3- إتاحة الفرصة للأحزاب السياسية المعارضة للتنافس: يشير اتجاه في الكتابات إلى أن ثمة هدفاً للرئيس عبدالمجيد تبون من قراره بحل البرلمان، هو محاولة إعادة رسم خريطة القوى والأحزاب السياسية والتي تعرضت للتهميش خلال حقبة الرئيس بوتفليقة.
وهو ما يتزامن مع إقصاء الحزبين الرئيسيين المسيطرين في عهد بوتفليقة من جلسات الحوار السياسي الذي أطلقته مؤسسة الرئاسة في منتصف فبراير/شباط الماضي وهما «جبهة التحرير الوطني» و«التجمع الوطني الديمقراطي»؛ حيث يسيطران على مقاعد البرلمان والمجالس البلدية والولائية منذ عقدين. كما أن عدداً من قياديي الحزب دانهم القضاء بأحكام ثقيلة بالسجن بعد اتهامهم بالفساد، ومن أبرزهم أمين عام جبهة التحرير جمال ولد عباس، وأمين عام التجمع الوطني أحمد أويحي الذي شغل منصب آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس السابق بوتفليقة.
انعكاسات مختلفة
وقد أدى قرار الرئيس تبون بحل البرلمان إلى جملة من التأثيرات، على النحو التالي:
1- مواصلة قوى الحراك الشعبي التظاهر في ساحات الاحتجاج: على العكس مما تصوره البعض أن قرارات تبون ستؤدي إلى احتواء قوى الحراك؛ بل استمر؛ إذ أشار عدد من الناشطين الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي بعد فترة زمنية قصيرة من هذا القرار بأن «هذه الخطوة جاءت متأخرة جداً»، وانتقدوا الرئيس أنه مرر الدستور الجديد على برلمان «فاقد المصداقية». وردد المتظاهرون شعارات معادية للسلطة الحاكمة، والتي عرف بها الحراك خلال عام قبل تفشي «كورونا» في مارس/آذار 2020.
2- ضغوط من قوى سياسية وخاصة إسلامية للإفراج عن معتقلين آخرين: فقد أشادت حركة «النهضة» في بيان بتاريخ 20 فبراير/شباط الماضي بخطوة حل المجلس الشعبي الوطني (البرلمان) واعتبرته «تمتيناً للجبهة الداخلية، وإعادة لبناء الثقة»، لاسيما في ظل تزامنها مع عفو عن عدد من معتقلي الحراك، وقالت: «كنا نود تعميمها على كل معتقلي الرأي، بمن فيهم معتقلو المأساة الوطنية».
3- تأزم الوضع الصحي والاقتصادي: تسهم السياقات السياسية القائمة على الاستقطاب والكراهية والإقصاء في تأثر الوضع الصحي نتيجة استمرار تفشي وباء كورونا على الرغم من الجهود الحكومية للحد منه.
ائتلاف سياسي
خلاصة القول.. إن قرار الرئيس تبون حل الغرفة الأولى للبرلمان؛ يهدف إلى تعزيز شرعيته ؛ عبر تشكيل ائتلاف سياسي موالٍ له يكون أغلبية رئاسية، تفرزها الانتخابات البرلمانية المقبلة، ويتكون الائتلاف، وفقاً لما تذهب إليه بعض التحليلات، من «جيل جديد» برئاسة سفيان جيلالي، الذي اتسم سلوكه السياسي بمعارضة حكم الرئيس بوتفليقة، و«جبهة المستقبل» برئاسة بلعيد عبدالعزيز، وحركة الإصلاح الوطني (ذات التوجه الإسلامي) برئاسة وزير السياحة السابق عبدالقادر بن قرينة، بما يمكن من اختيار «الوزير الأول»؛ أي رئيس الوزراء في حال فوزها بالأغلبية البرلمانية، في حين يكون من حق المعارضة اختيار رئيس للحكومة إذا ما تمكنت من الفوز بالأغلبية البرلمانية، وهو احتمال متعذر حدوثه.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"