عادي

«الجمهوري» الأمريكي.. حزبان

23:21 مساء
قراءة 4 دقائق
Video Url
1

كتب - المحرر السياسي:
حظي الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، بمتابعة وسائل الإعلام العالمية في أول ظهور له بعد 39 يوماً من تركه البيت الأبيض، في وقت تكثر الرهانات حول دوره في انقسام الحزب الجمهوري الحالي، نتيجة سياساته المثيرة للجدل، وخضوعه للمساءلة وتهديداته المستمرة بالثأر بعد خسارته الانتخابات التي يصر على أنها لم تكن نزيهة.
وقال ترامب في كلمة ألقاها، يوم الأحد الماضي، أمام حشد من أنصاره في مؤتمر الحركة المحافظة، إنه يعد العدة لخوض لمواجهة الديمقراطيين الذين كرر اتهامه لهم بتزوير نتائج انتخابات نوفمبرالماضي، في الانتخابات المقبلة.
والمتتبع لتطور العمل السياسي في المجتمع الأمريكي الذي يتقاسمه حزبان عريقان رئيسيان هما الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي، لا بد أن يدرك أن حركة الحياة والتطورات التي طرأت خلال العقد الماضي تقتضي تغيراً في تكتيكات الحراك السياسي، خاصة في أوساط الشباب الأكثر حماسة وحيوية للتغيير الذي لا مفر منه.
التصدع
ولعل ما حدث في المؤتمر الذي عقدته «الحركة المحافظة»، وهي تنظيم غير رسمي يضم مؤيدي ترامب من داخل الحزب الجمهوري، حيث عاهدوه على السير خلفه مهما بلغ الثمن، يعتبر مؤشراً على أن الحراك حتى داخل الحزب مستمر، وربما يحمل بشائر تصحيح. ولا شك في أن هذه الحركة التي تضم أعضاء في الحزب، تقدم دليلاً دامغاً على انقسام الحزب الجمهوري حول القضايا الأساسية، إضافة إلى كونها انعكاساً للمتغيرات التي يشهدها العمل السياسي على الساحة الأمريكية.
ويستمر ترامب في شحن مؤيديه بما يعزز فرص التصدع الحزبي، خاصة أن من بين مؤيديه شخصيات غير عادية، من بينها تيد كروز السيناتور الأمريكي عن ولاية تكساس الذي يؤكد أن الحزب الجمهوري والحركة المحافظة فيه لن يتخليا عن ترامب. ورغم ما يتعرض له الحزب الجمهوري من هزات حالياً، فإنه لا يمكن تجاهل دوره التاريخي في السياسة الأمريكية، وهو الذي تأسس منذ عام 1854، ونجح في إيصال 19 رئيساً إلى البيت الأبيض في تاريخ الانتخابات الأمريكية، من إبراهام لينكولين، وحتى دونالد ترامب. وتميز الحزب تاريخياً بديناميكية مثيرة للإعجاب برزت في تغيير تكتيكاته السياسية حسب مقتضيات كل مرحلة من مراحل العمل على الساحة الأمريكية، بدءاً من تحرير العبيد، وانتهاء بقانون الانتخابات الذي منح السود حق التصويت. وبعد عام 1912، شهد الحزب تحولًا أيديولوجياً نحو اليمين، حيث تغير نهجه الأساسي بعد سن قانون الحقوق المدنية لعام 1964 وقانون حقوق التصويت لعام 1965، عندما أصبحت الولايات الجنوبية ذات الأغلبية من السود، أكثر جدارة بالثقة في خطط الرؤساء الانتخابية والتطورات السياسية. وتضم قاعدة دعم الحزب في القرن الحادي والعشرين القسم الأكبر من سكان الريف الأمريكي، والأمريكيين البيض، والمسيحيين الإنجيليين.
ويحسب للحزب الجمهوري نضاله من أجل الحقوق المدنية للأمريكيين من أصل إفريقي، وقد حقق بعض الإنجازات على هذا الصعيد، سواء من خلال تعديلات دستورية أو فرض إصلاحات على الولايات الجنوبية. وأبرز هذه التعديلات كانت منح الأمريكيين من أصل إفريقي حق الاقتراع عام 1866.
ويعتمد الحزب أيديولوجية محافظة حتى اليوم، ويجمع بين السياسات الاقتصادية المُحافظة، والقيم الاجتماعية المُحافظة. ويدعم الحزب قضايا مثل تخفيض الضرائب، ورأسمالية السوق الحر، وفرض قيود على الهجرة، وزيادة الإنفاق العسكري على القوات المسلحة، وحقوق حيازة وحمل السلاح للأمريكيين، وفرض قيود على الإجهاض، والحد من سطوة النقابات العمالية.
ولا يزال الحضور السياسي للحزب قوياً، رغم ما تعرض له نتيجة سياسات ترامب. فحظ الحزب من فرص الفوز في الانتخابات الرئاسية هو الأعلى. ورغم أنه يمثل الأقلية في مجلسي الشيوخ والنواب بدءاً من مطلع عام 2021، إلا أن له الأغلبية في مناصب حكام الولايات، والأغلبية في الهيئات التشريعية للولايات.
بداية التحول
كانت الانتخابات التي فاز فيها الرئيس الأسبق باراك أوباما، وهو ديمقراطي ومن أصل إفريقي، في منافسته مع السيناتور جون ماكين المرشح الجمهوري، بمثابة صدمة للجمهوريين الذين بدأوا يتحسسون تراجع الثقة بهم كتنظيم، وتزامن ذلك مع تزايد الشعور لدى البيض بأنهم يفقدون بلادهم. وقد مهدت تلك التطورات الطريق لوصول شخصية مثل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في السباق الرئاسي عام 2015. وظهرت في الساحة السياسية الأمريكية، ربما لأول مرة، شخصية اعتبرت نفسها غير تقليدية، وغير منبثقة من «المؤسسة الرسمية» الأمريكية، متسلحة بخطابات عنصرية تجذب البيض المحافظين، وتحرضهم على القيام بتحركات مشابهة لما فعلوه أثناء اقتحام مبنى الكابيتول. وقد صارت تلك الشخصية رمزاً لحراك سياسي وصفه البعض باليمينية المتطرفة، بينما أطلق عليه آخرون اسم الظاهرة الشعبوية.
وقد تجلى الانقسام في اختلاف قيادات الحزب، وربما جماهيره، حول ما جرى، وحول الخروج من عباءة ترامب والتنصل من المسؤولية الحزبية حياله. فهناك من يرى أن الحزب يجب أن يمضي قدماً ويطوي صفحة ترامب حتى يستطيع أن يستعيد أصوات القاعدة الجماهيرية في الأرياف التي فقدها في الانتخابات الأخيرة، سواء الرئاسية أو البرلمانية. ويتزعم هذا التوجه زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل والسيناتور جوش هاولي، حيث يبدي كل منهما قلقه، ومعه أعضاء بارزون آخرون، من أن يتسبب نهج ترامب بتدمير الحزب كمنظمة سياسية.
في المقابل هناك من يدعو بقوة للخروج من عباءة الحزب الجمهوري التقليدي الذي مني بالفشل نتيجة سياساته الخاطئة خلال السنوات الماضية. ومن أبرز رموز هذا التوجه السيناتور ريك فلوت عن ولاية فلوريدا الذي شدد على التمسك بنهج ترامب، واعتبر الذين يغذون نيران الفتنة في أوساط الحزب الجمهوري مغفلين. أما حاكم ولاية فلوريدا، رون دي سانتس، فقد دعا في كلمة، يوم الجمعة الماضي، أمام جموع الحركة المحافظة إلى رسم خريطة طريق جديدة للحزب الجمهوري تعتمد نهج ترامب وتتبنى سياسات متشددة حيال قضايا الهجرة، ومواجهة الصين على الصعيد الدولي، وتقليص النشاط العسكري الأمريكي خارج الحدود.
وفي ظل سيادة القانون، ووفق قواعد العمل الديمقراطي يمكن النظر إلى انقسام الحزب الجمهوري، وأي حزب سياسي آخر، على أنه ظاهرة طبيعية وصحية ربما تحمل في طياتها الكثير من البشائر، أكثر مما تحمل من نذر شؤم على الحزب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"