عن الحياة الكريمة

00:23 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

إذا كان التعليم والثقافة شرطين بدونهما لا يمكن أن يُبنى الإنسان المرجو، فإن الحياة الحرة الكريمة هي شرط وغاية في الآن ذاته، بمعنى أن بناء الإنسان لن يتم بالصورة المنشودة إن لم تتحقق له الحياة الكريمة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن بناء الإنسان غايته تحقيق الحياة الكريمة له.
التعليم وحده، على سبيل المثال، حتى لو كان جيداً، لن يحقق الهدف منه بشكل تلقائي، إن لم يجد خريجو الجامعات والمعاهد فرصاً للعمل، وظلوا عاطلين لسنوات تمتد طويلاً، أو مضطرين للعمل في مجالات أبعد ما تكون عن التخصصات التي أنفقوا أحلى سنوات شبابهم في التحصل على المعارف فيها، أو اللجوء للهجرة والتغرب عن أوطانهم وأهاليهم.
يعنينا الوضع في بلداننا العربية قبل غيرها، فما هو متوفر من معطيات يشير إلى أن نسب البطالة في بعض بلداننا مخيفة فعلاً، في صفوف الشباب بالمقام الأول، وهذا ما تقدّمه إحصائيات ودراسات الجهات الدولية والإقليمية بسوق العمل، وحتى مع غياب الشفافية المطلوبة في الكثير من الحالات، حيث لا تقدّم الأرقام الفعلية للبطالة، فإن ما هو معلن منها يظل مخيفاً.
وأدت النكبات التي توالت على بعض البلدان العربية في العقد الماضي، حيث شهدت حروباً أهلية طاحنة وتدخلات خارجية، إلى تفاقم الوضع المعيشي، جراء توقف عجلة النمو وشلل الحياة الاقتصادية، إلى بلوغ البطالة نسباً غير مسبوقة في بلدان مثل سوريا ولبنان وليبيا واليمن وحتى العراق، وتكفي الإشارة إلى الارتفاع المهول في نسب الهجرة من هذه البلدان إلى الخارج، بحثاً عن حياة أفضل. وكمثال فقط، شاهدت بالأمس تقريراً مصوراً من لبنان، عما نجم عن الانفجار المروع في مرفأ بيروت، قبل شهور، من حمل للشبان على الهجرة أو التفكير فيها.
أظهرت جائحة «كورونا» بجلاء ما كان قائماً بالفعل وهو عجز منظومة الرعاية الصحية في الكثير من بلداننا العربية عن تقديم المطلوب منها في تعميم الخدمات الطبية بشكل عادل على المواطنين، وظهر هذا العجز في غياب التدابير اللازمة لتتبع انتشار الفيروس عبر الفحوص أولاً، وتالياً في تقديم الرعاية الضرورية للمصابين، وثالثاً في توفير اللقاحات.
الحق في العمل والحق في الرعاية الصحية ليسا سوى وجهين من أوجه توفير الحياة الكريمة للناس، التي تحقق ما ندعوه ببناء الإنسان، وهما يأتيان في المقدمة بالتأكيد، لكن هناك حقوقاً أخرى ذات صلة، لا يمكن حصرها هنا، فمنظومة الحقوق شاملة ومترابطة الأوجه والأبعاد، وتشكّل حرية التعبير مرتكزاً أساسياً فيها.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"