كوارث استبعاد الدول من حل مشاكلها

00:14 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاطف الغمري

من الآن – وفي ذروة معايشة كارثة فيروس «كورونا» – بدأ علماء السياسة، يقتحمون مجال إدارة الأزمات الإقليمية، المسكوت عنها منذ سنوات، وحيث ظلت تدور في دائرة مغلقة وفق حسابات قوى كبرى، أو أطراف خارجية، تحتكر لنفسها إدارة هذه الأزمات، في استبعاد صريح للدول التي تقع مناطق هذه الأزمات في إطارها الجغرافي والإقليمي، وبحسب ارتباطها المباشر بما يجري في دول هذه الأزمات.

 كان التركيز على المشاكل التي نتجت عن تحكم حسابات المصلحة في احتكار قوى خارجية لعملية إدارة الأزمات الإقليمية، فضلاً عن قلة معرفة هذه القوى بثقافة شعوب دول المنطقة. في الوقت الذي اتضح من التجربة أن التهديدات الأمنية للدول الإقليمية المستبعدة من إدارة أزمات مناطقها، كان يمكن تلافيها لو ترك لهذه الدول القيام بالدور الرئيسي في التصرف على المستوى الإقليميي. وهو ما أثبتته – على سبيل المثال – حالة سوريا، التي كانت قوى كبرى في الولايات المتحدة وروسيا، ودول إقليمية بعيدة عن الانتماء القومي العربي لسوريا وهي إيران وتركيا، قد جذبت إلى أيديها خيوط الوساطة لحل الأزمة السورية. بحيث صارت إدارة الأزمة السورية نموذجاً صريحاً لازدواجية التصرف من مجموع هذه الدول، التي قام دورها على مزيج من الاستراتيجيات متناقضة الأهداف، فهي وسيط بين الأطراف السورية من ناحية، وهي تعمل من أجل مصالحها الذاتية من ناحية أخرى.

 وفي حالة سوريا، نجد أن تركيا انتهزت فرصة انتهاك السيادة السورية على مناطقها الحدودية، ليتدفق منها عمداً إلى داخل الأراضى السورية الألوف من أعضاء جماعات إرهابية.

 وكما يقول إيميل بارلاد دال، في دراسته عن إدارة الأزمات الدولية، إن سلوك تركيا كشريك في الوساطة لحل الأزمة السورية، لم يكن يستند إلى استراتيجية شاملة لحفظ السلام، أو لنوع من الوساطة الحقيقية، بل كان تحرك تركيا مدفوعاً بتحقيق مصالحها في الأرض السورية، وهو ما حصرته في منظور استعماري، على أساس أنها كانت يوماً ما، من قبل مئات السنين خاضعة للدولة العثمانية. وهو سلوك يتعارض كلية مع قدرتها على القيام بدور الوساطة بين الأطراف السورية المختلفة.

 وهو نفس ما جرى في حالة ليبيا، عندما سيطرت الرغبة في تغيير نظام القذافي بالقوة على تصرفات القوى الخارجية، التي تركت المجال الليبي نهباً للفوضى، والتشاحن السياسي، وفتح حدود ليبيا أمام تدفق جماعات إرهابية، شكلت لنفسها وجوداً ضد قضية وحدة أراضي الدولة واستقرارها.

 ويرى البعض من علماء السياسة أن استراتيجية استبعاد الأطراف المرتبطة مباشرة بالأزمات الواقعة في مناطقها الإقليمية، كالدول العربية التي لها مصالح مباشرة مع سوريا، أو ليبيا، أو غيرهما، من شأنها إطالة أمد هذه الأزمات، وهو ما يمكن أن ينعكس في النهاية سلبياً على القوى التي تنفرد بإدارتها، خاصة أن الفوضى وعدم الاستقرار الإقليميين، أصبحا ظاهرتين عابرتين للحدود، بل وللقارات، وهو ما تأكد من تمدد نشاط المنظمات الإرهابية، إلى الدول الغربية ذاتها خاصة في أوروبا. وهو تطور حاولت القوى الخارجية طويلاً أن تغمض نظرها عن حقيقته، متصورة، وَهْماً، أن القلاقل في هذه المناطق يمكن أن تظل محصورة، في تلك المناطق البعيدة جغرافياً عنها. إلى أن وقعت جائحة «كورونا» لتثبت أن أنماطاً من التهديدات المستجدة، يمكن أن تجتاح الدول الكبرى ذاتها، وهو ما يلزمها بإعادة النظر في كثير من مفاهيمها الاستراتيجية، حتى ولو كان من ضمنها، احتكار عملية إدارة الأزمات الإقليمية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"