الهالة الرمادية العابسة

00:34 صباحا
قراءة دقيقتين

مثقلة الأيام وكأنها جبال نجرها كي تمر بسلام، والجبال مكللة بغيوم رمادية لا تمطر ولا ترحل مع الرياح. ملبدة سماء الحياة، لم تعد صافية ضاحكة مشرقة، كما عرفناها غالباً، تعصف بها الأحزان نادراً، تغسلها أمطار الأزمات العابرة فتستعيد صفاءها سريعاً.
نتحايل على أحوال زمننا هذا، يأتينا بكورونا.. نصده بلقاح؛ يعطل الدراسة.. نستعين بـ«الأونلاين»، يفرض الحجر والعزل والتباعد.. نفتح المنصات ونُقرِّب المسافات ونصول ونجول في عالمنا الافتراضي، نجد لكل أزمة مخرجاً، لكن العالم الحقيقي ما زال مغلّفاً بهالة ما، تكثر فيها أخبار الرحيل، يكثر الوقوف على المقابر، وتكبر الغصة.
ما هذه الهالة المحيّـرة؟ أندفع ثمن ما فعلناه، أم نمر باختبار صعب لا مفر منه، تسجل درجات نجاحنا أو رسوبنا في ملفاتنا في الأبدية؟
شموع الأمل مضاءة، لن تنطفئ. نعيش الكفاح بكل معانيه وبكل درجاته ومستوياته. لا فرق بين كبير وصغير، لا فرق بين غني وفقير، ولا بين عربي وأعجمي.. لا فرق بين طبيب وحارس، فجأة وجدنا أنفسنا جميعاً داخل كرة واحدة مغلفة بوباء واحد، خطر واحد، قلق واحد، ألم واحد، والعلاج واحد.
واهم من يحسب أنه غير معني بما يحصل لجاره أو للشارع الذي يسكن فيه، أو لبلده أو حتى للبلدان المجاورة. من كان يحسب أن ووهان الصينية ستكون في عقر داره؟ من كان يحسب أن مريضاً أو مصاباً في الصين سيجعل العالم كله موبوءاً يواصل تعداد مرضاه ويُحصي موتاه كل ساعة وكل يوم؟ من كان يحسب أن فيروساً سيشل الاقتصاد والطيران والحياة الروتينية في العالم، ونحن في زمن التطور الإلكتروني؟
هذه الهالة التي تغلّف كوكبنا، رمادية عابسة، متى تبتسم؟ متى تنقشع؟ حملتنا الأيام وتحملت منا الكثير وصبرت على جنوننا وعبثنا وشطحاتنا.. ألا نصبر عليها ونرى في العزلة فرصة لمراجعة الذات، والعودة قليلاً إلى بعض النقاء؟ أليس في العزلة فرصة لتتنفس الأرض وتتسع رئتاها للأجيال القادمة؟ أليس في «حالة الطوارئ» التي تعيشها الأرض علاجاً من كل الأمراض التي أصيبت بها بفعل فاعل؟
تعودنا أن نقفز فوق المحن ونتسلح بإرادتنا، لكن هذه المحنة تحديداً لا ينفع القفز فوقها؛ بل هي تحتاج إلى أن نراها بوضوح ونضع كل تفاصيلها أمام أعيننا، نواجه بعدم إسقاط أي نقطة سهواً كي نعرف ما الذي حصل ولماذا وكيف؟ ونفهم أكثر إلى أين نسير وكيف نعبر الجسور بأمان فنحقق التطور ونمهد الطريق للقادمين إلى الحياة بسلام.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"