عادي

سارق الليل

22:29 مساء
قراءة 3 دقائق
4040

كتب.: أميرالسني:
تحفل ساحات المحاكم وحياة الأطراف التي تلتقي فيها بقصص تعكس في جانب منها الصراعات القديمة المتجددة بين الخير والشر، بين الطمع والقناعة، بين نفوس ترتوي بظلم الآخرين وأخرى تنفق شهوراً، وربما العمر كاملاً، بحثاً عن حق. في تفاصيل هذه الصراعات تحاول العدالة ما استطاعت أن تكون صاحبة الكلمة العليا لتستقيم الدنيا، وفي ثنايا المواجهات بين الأطراف المتخاصمة تتدفق المفاجآت والعبر.
الحاجة كانت السبب وراء مغادرة (ف.ع) بلاده للبحث عن مصدر رزق بعد أن عجز عن أن يسد حاجته وحاجة أسرته ووالدته الكبيرة في السن التي تحتاج إلى المزيد من الرعاية الصحية، ووسط تلك الضغوط ترك وطنه وأسرته، وعند وصوله التقى بمجموعة من الشباب من دولته ومكث معهم في سكن للعمال لحين عثوره على وظيفة ظن فقد وجد بمساعدة أولئك الشباب وظيفة سائق شاحنة لنقل الخردوات والأشياء القديمة، واستمر في عمله لفترة وصار يرسل إلى أسرته كل شهر رغم قلة راتب وظيفته التي لم يجد مفراً من العمل فيها، وحاول إيجاد فرص اخرى حتى يزيد من الدخل وعمل في غسيل السيارات ليلا ليكفي حاجته، وبعدها يخلد إلى النوم لساعات قليلة ثم يصحو مبكراً للعمل في الشاحنة.
وبعد فترة فقد (ف.ع) وظيفة السائق، واضطر للبحث عن وظيفة أخرى وظل يعمل في الليل في غسيل السيارات فقط ، ويستفيد منها فائدة قليلة لا تساعده في إرسال أموال إلى أسرته وظل يلهث للبحث عن زيادة للدخل ، لكنه فشل في ذلك وأظلمت الدنيا في وجهه وأغلقت جميع الأبواب أمامه،  ولم يعد يدري ماذا يفعل أمام كل تلك المصاعب التي تواجهه.
وفي هذه الظروف وسوس له الشيطان أن يعمد إلى استغلال تنظيفه السيارات بأن يسرق ما يجده  داخل السيارات التي يغسلها، ونفذ فكرته في إحدى السيارات الواقفه فقام بفتحها بعد أن تركها صاحبها مفتوحة وسرقة مبالغ مالية داخلها وهرب، وفي مرة ثانية ذهب إلى منطقة أخرى وبحكم خبرته في غسيل السيارات صار ينظر ويراقب المكان ويتفحص السيارات التي يمكن أن يجد فيها شيئاً ثميناً لسرقته ، وبعد مراقبة السيارة قام (ف.ع) بفتحها عن طريق كسر الزجاج في الجزء الخلفي، وبحث داخلها وعثر على جوال غالي الثمن، فأخده وأغلق السيارة، وذهب من دون أن يلاحظه أحد، وأكسبته تلك الأفعال الخبرة في تصيد السيارات وسرقتها، وبعدها اتفق مع اثنين من الأشخاص من بلده على التنسيق بينهم لسرقة السيارات، وخططوا لذلك على أن يقف أحدهم لمراقبة المنطقة بينما يقوم الآخران بتنفيذ الجريمة.
في إحدى المرات تمكن من فتح سيارة أخرى بوساطة آلة حادة استخدمها للسرقة وفتش داخلها ليجد حافظة نقود وأخذ ما داخلها وأعاد إغلاق السيارة، وفي هذا لوقت كان صديقه يراقب سيارة أخرى في المكان ذاته ، ووجد السيارة مفتوحة فبحث داخلها وعثر على نقود معدنية فسرقتها ولاذوا جميعاً بالفرار بعد أن رأوا أحد المارة قادماً من بعيد.
وبمرور الأيام صار (ف.ع) من معتادي سرقة السيارات، فبدلاً من أن يبحث عن عمل شريف له يسد فقره ويبارك له في رزقه ويمشي على الطريق القويم، سلك طريق الضلال والبحث عن اللقمة السهلة باصطياد أموال الناس في جنح الليل ومن وراء الأنظار يساعده في ذلك أعوانه من شياطين الإنس الذين يشجعونه على تلك الأفعال باعتبارها وسيلة سهلة وسريعة للتكسب ، وواصل هو واصدقاؤه لبحث عن المناطق التي تسهل فيها سرقة السيارات، وأصبحوا يخططون لذلك ويقسمون ما تتم سرقته بينهم.
في هذه الأثناء كثرت بلاغات سرقة السيارات لدى الشرطة، وتم تكوين فريق من إدارة التحريات، وبمراقبة ومتابعة تسلسل البلاغات تبين تتشابه طرق السرقة، ما يوضح أن من يقومون بتلك السرقات هم أشخاص اعتادوا طريقة معينة في سرقة السيارات، وتم فحص الكاميرات الموجودة بالقرب من تلك الأمكنة، وتمكن فريق التحري من القبض على (ف.ع) ومعاوينه واعترفوا بجريمتهم ووجهت النيابة العامة تهمة السرقة إلى المتهمين الثلاثة،    وتم تقديمهم إلى المحكمة التي أصدرت في حقهم أحكاماً بالسجن لمدة عامين والإبعاد خارج البلاد عقب انتهاء مهلة العقوبة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"