الروافد الإقليمية للصراعات العراقية

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

ساعات قليلة فصلت بين استنفار الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي لاحتواء الأحداث الدامية المتفجرة في محافظة ذي قار جنوبي البلاد وعلى الأخص في مدينة الناصرية وبين الهجوم الذي شنته طائرات أمريكية بأوامر مباشرة من الرئيس الأمريكي جو بايدن على مواقع لفصائل عراقية داخل الأراضي السورية بالقرب من منطقة الحدود بين سوريا والعراق. ما كان يأمله مصطفى الكاظمي باستجابته لمطالب المحتجين في الناصرية، بعد الاشتباكات الدامية التي شهدتها المدينة يوم الثلاثاء (23/2/2021) بين متظاهرين وقوات الأمن راح ضحيتها 6 أشخاص من بينهم طفل لم يتجاوز عمره 12 سنة، بإقالة المحافظ ناظم الوائلي وتعيين رئيس جهاز الأمن الوطني عبد الغني الأسدي بدلاً منه، بدده الهجوم الأمريكي، وتفاقمت الأوضاع أكثر بالتصريحات الأمريكية التي وردت على لسان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن والمتحدث باسم وزارة الدفاع جون كيربي والتي تحدثت عن «تنسيق وتشاور» أمريكي – عراقي بخصوص هذه الهجمات، الأمر الذي أعاد مجدداً تبديد طموحات الكاظمي وغيره من كبار المسؤولين العراقيين بإخراج العراق من معادلة جعله «ساحة للصراع بالنيابة عن الآخرين».

 فالهجوم الأمريكي، كان شديد الوضوح في تعمده استهداف إيران بذلك الهجوم، والرسالة وصلت كاملة إلى طهران، التي ليس من المستبعد أن ترد على «الصفعة». صفعات متبادلة لن يحسمه غير «توازن إرادات» مازال «افتراضياً» بين واشنطن وطهران لن تتكشف معالمه إلا عبر معادلة «التفاوض أو اللا تفاوض» حول العودة الأمريكية للاتفاق النووي من عدمه.

 هذا يعني أن العراق سيبقى إلى أمد غير منظور رهن الصراع الأمريكي- الإيراني الذي يزداد تعقيداً بدخول إسرائيلي كطرف مباشر فيه وليس فقط كطرف محرض ضد إيران بعد التفجير الذي تعرضت له سفينة إسرائيلية في خليج عمان، وتحميل إيران مسؤولية هذا التفجير على لسان بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة وتهديده «بضرب إيران في كل أنحاء المنطقة»، لكنه يعني من ناحية أخرى تفاقم التعقيدات الداخلية في العراق ابتداء من تجديد الانقسام الوطني حول الوجود العسكري الأمريكي والمطالبة بإنهائه التزاماً بقرار صادر عن البرلمان.

 تجديد هذا الانقسام حول الوجود العسكري الأمريكي، سيفتح وبقوة ملف ما يعرف ب «الحوار الاستراتيجي الأمريكي – العراقي» الذي لم تظهر له أية فائدة من منظور الرافضين له سوى توظيف الحكومة العراقية لخدمة المخططات والمصالح الأمريكية على حساب العراق وشعبه.

 الذين يطرحون هذا الموقف يرتكزون على ما ورد حول دعم هذا الحوار الاستراتيجي عقب الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأمريكي بايدن مع رئيس الحكومة العراقية، وهو الاتصال الأول له مع مسؤول عراقي منذ توليه السلطة بعد القصف الذي تعرضت له السفارة الأمريكية بالمنطقة الخضراء في بغداد وقبلها قصف «قاعدة بلد» الجوية والقاعدة الأمريكية في مطار أربيل. فالبيان الذي أصدرته السفارة الأمريكية عن هذا اللقاء أشار إلى أن الرئيسين «ناقشا الهجمات الصاروخية الأخيرة ضد أفراد القوات العراقية وقوات التحالف، واتفقا على ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الهجمات بالكامل، كما ناقشا معاً أهمية دفع عجلة الحوار الاستراتيجي وتوسيع التعاون الثنائي في القضايا الرئيسية الأخرى.

 الربط بين الاهتمام الأمريكي بالرد على الهجمات الصاروخية وهو ما تحقق بعد يومين تقريباً من هذا الاتصال وبين الحوار الاستراتيجي، والهجوم الذي شنته الطائرات الأمريكية على مواقع الفصائل العراقية بمنطقة الحدود العراقية – السورية، سيفاقم من الانقسام العراقي حول جدوى هذا الحوار الاستراتيجي، خصوصاً أن قادة تلك الفصائل التي تعرضت للهجوم وغيرها من فصائل «الحشد الشعبي» باتت أكثر تحفزاً ضد الحكومة العراقية وأكثر حرصاً على تقصي حقائق التورط العراقي الرسمي في ذلك الهجوم.

هذا المناخ سينعكس سلباً بشكل حتمي على مساعي معالجة الأزمات الداخلية والاستعداد للاستحقاق الانتخابي المقبل في ظل مخاوف من العودة للوراء بنزاعات واصطفافات مذهبية وعرقية، من المرجح تفاقمها بإخفاقات الحكومة في حل المواجهات والصدامات الدامية مع مكونات الحراك الشعبي المتواصل منذ مسيراته المليونية عام 2019.

 إخفاقات وصراعات داخلية تتغذى على عجز العراق عن أن ينأى بنفسه عن الصراع الأمريكي – الإيراني، وإصرار الطرفين الأمريكي والإيراني على جعل العراق «ساحة اختبار» لسياسات التلاقي والتباعد بينهما لحل الأزمات المشتركة في معادلة أشبه ب «الأواني المستطرقة» في تفاعل جدلي عميق بين تحديات الداخل وخروق الخارج لحاضر العراق ومستقبله.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"