الفقر والجوع في العالم العربي

00:27 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

كان المحرك الأساسي للفوضى التي ضربت بعض الدول العربية، هو رغبة شعوب تلك الدول في التخلص من الفساد وتحقيق الرفاه الاقتصادي، عبر توزيع عادل وشامل وحقيقي للثروة القومية. لكن ما حدث كان العكس تماماً، فقد أدى انهيار بعض الأنظمة إلى حصول انهيار اقتصادي كبير، لم تفلح الحكومات المتعاقبة في تلافي آثاره، كما أن بعض البلاد شهدت حروباً مدمرة (سوريا وليبيا)، ما زاد من تفاقم الوضع الاقتصادي سوءاً في هذه الدول.

ويشير تقرير «نظرة إقليمية عامة حول حالة الأمن الغذائي والتغذية في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا» الذي نشرته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، إلى أن 52 مليون شخص في المنطقة يعانون نقص التغذية المزمن. وكانت الأمم المتحدة قد تبنت «إعلان الأمم المتحدة للألفية» الذي يُلزم الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، بمكافحة الفقر والجوع والأمراض والأمية والتمييز ضد المرأة. وقد وقعت على هذا الإعلان 192 دولة، وما لا يقل عن 23 منظمة دولية، حيث اتفق الجميع على تحقيق أهداف هذا الإعلان. وتقدّم أهداف التنمية للألفية مخططاً طموحاً من أجل التنمية العالمية، يشمل تركيزاً على التعليم والبيئة، وحقوق المرأة، والمياه المستدامة، وغيرها من المجالات الحيوية الأخرى. وقد أحرزت دول المنطقة تقدماً في الحد من الفقر، إلا أن الاضطرابات السياسية التي عصفت ببعض تلك الدول، أودت بالعديد من هذه التحسينات.

فقد أشارت أرقام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، إلى أن نسبة سكان المنطقة ممن يجنون أقل من 1.25 دولار أمريكي يومياً، ارتفعت من 4.1 إلى 7.4%. 

وفي تقرير أصدره البنك الدولي بعنوان «الفقر والرخاء المشترك: حل معضلة الفقر» ويضم التقديرات العالمية والإقليمية لأوضاع الفقر، تبين أن المنطقة العربية هي الوحيدة في العالم التي ارتفع فيها معدل الفقر المدقع؛ إذ ارتفع هذا المعدل من 2.7% إلى 5% في الأعوام الماضية، مما أدى إلى مضاعفة عدد الفقراء المدقعين ليصل إلى 18.6 مليون يعيشون على أقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم.

ومما لا شك فيه أن استمرار مسلسل «الفوضى الخلاقة» الذي بشرت بها سوزان رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، واستمرار حلقاته، كما يحدث في بعض الدول العربية، يزيد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية في المنطقة، ويزيد من شقاء الشعوب. ولاشك في أن الدول العربية، بما بينها من روابط، تُعد كالجسد الواحد يتأثر بما يصيب أعضاءه من خلل، ما يجعل مختلف الدول العربية تتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر جراء ما يجري في بعضها. فعلى الرغم من أن لبنان والأردن، مثلاً، ظلتا بعيدتين عن مسلسل الفوضى، فإنهما تحملتا كثيراً من آثار ما يحدث في سوريا سواء من الناحية الإنسانية أو الاقتصادية.

وأيضاً تضررت مصر والجزائر وتونس مما يجري في ليبيا. كما أن دول الخليج العربية، تأثرت بشكل غير مباشر، جراء ما جرى ويجري. ومعظم هذه الدول وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، قدمت ولا زالت تقدم مساعدات اقتصادية للعديد من الدول التي غرقت في مسلسل الفوضى. ويبدو أن الخلاص من دوامة الفوضى أمر قد يكون صعب المنال؛ لأن المنطقة تخضع لتجاذبات الدول الكبرى، وهو ما يدفع إلى استمرار الدوامة.

والواقع أن الصراع الدولي على المنطقة سوف يعمق الأزمات فيها، وقد يهدد بتقسيم بعض دولها. وربما قد تستمر المنطقة في وضع غير مستقر لأمد غير منظور، فالانتقال السياسي في بعض هذه الدول يحمل في طياته عوامل عدم الاستقرار، في عصر ما يسمى «الديمقراطية والليبرالية الاقتصادية»، وبالتالي فإن النهم العالمي الواسع لن يسمح للدول الفقيرة والضعيفة والتي تعيش في مراحل انتقالية، بأن تكمل مسيرتها بسلام. فهذه الدول ستكافح لإزالة العراقيل من طريق نهوضها، لكنها ستجد نفسها مشتتة بين عناوين كثيرة، أهمها كيفية تأمين الموارد اللازمة للنهوض الاقتصادي الذي هو عماد الحياة الحديثة، وخصوصاً في ظل اتجاه تلك الموارد إلى الندرة على الصعيد العالمي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"