أزمة أرمينيا

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

لا تزال نتائج حرب ناجورنو كاراباخ التي وضعت أوزارها في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 بعد أكثر من 40 يوماً من الاقتتال الدامي، تتفاعل في أرمينيا التي خسرت المعركة أمام أذربيجان بعدما استعادت الأخيرة مناطق مهمة بعد عقود من الصراع على المنطقة. الشعب الأرمني رأى أنه مني بهزيمة بعد قبول اتفاق رعاه الحليف الروسي، وعدّ أن بنود إنهاء الحرب مسّت سيادة الدولة، وتنكرت لآلاف الجنود الذين سقطوا في جبهات القتال، ومما زاد الاحتقان دخول هيئة الأركان العامة للجيش إلى خط الأزمة السياسية بمطالبتها القاطعة باستقالة رئيس الوزراء نيكول باشينيان الذي تتهمه المعارضة أيضاً بالخيانة، كما حمّله قطاع عريض من الأرمن مسؤولية الفشل الصارخ في إدارة الحرب المفاجئة.

 التظاهرات التي هزت العاصمة يريفان كانت بين معسكرين، الأول مؤيد لرئيس الوزراء، لكنه كان باهتاً في مقابل المعسكر الآخر المطالب بإسقاطه الذي لاقى دعماً من الجيش والمعارضة، ما جعل زخمه أعظم وأكبر، وما زاد الضغط على باشينيان وفاقم الأزمة السياسية العميقة أصلاً، رفض رئيس البلاد أرمين سركيسيان، الخصم السياسي اللدود لرئيس الحكومة، المصادقة على إقالة قائد الجيش باعتبار أن الأزمة «لا يمكن حلها من خلال التغييرات المتكررة للمسؤولين»، لكن باشينيان الذي اتهم بوضوح قائد الجيش بالتخطيط لانقلاب عليه، أصر على موقفه، قائلاً: «إنه سيعيد إرسال أمر إقالة قائد الجيش إلى الرئاسة»، رافضاً في الوقت ذاته تدخل العسكريين في المشهد السياسي برمته.

 التجاذبات السياسية، وتشدد الجيش في موقفهن أربكا المشهد، ووضعا البلاد أمام معضلة احتمال نشوب حرب داخلية قد تكون أسوأ من حربها مع أذربيجان، فالبلد الفقير الواقع في القوقاز على شفير فوضى عارمة، فالمعارضة متمسكة بمطالبها وتحشد شعبياً لأجل تحقيقها مهما كلف ذلك من ثمن، وفي المقابل، فإن رئيس الوزراء طالب بوضوح أنصاره بالنزول إلى الشارع لحماية الدستور والديمقراطية، وبالفعل، استوعبت العاصمة تظاهرتين متناقضتين لم يفصل بينهما سوى مئات الأمتار، وكادتا تشتبكان لولا الفاصل الأمني الذي فرض، ما يشي بأن القادم سيحيطه الغموض ما لم يتنازل طرف عن مطالبه، وهذا لا يبدو وارداً في حسبانهما.

 باشينيان المتمسك بتاريخه النضالي والسياسي، لا يزال يرى في نفسه الرجل القوي، فهو يعتقد جازماً أنه بتوقيع الاتفاق حمى البلاد من هزائم كبيرة محققة، وقدم لبلاده خدمات جليلة؛ هذه الثقة أوصلته إلى المس بالجيش الذي كان حتى اللحظة الأخيرة يدعم الحكومة، إذ أقال ضابطاً كبيراً كان انتقد تصريحات لباشينيان قال فيها إن الهزيمة كانت ناجمة جزئياً عن عدم فاعلية قاذفات الصواريخ الروسية من طراز «إسكندر»، ليفقد بذلك حليفاً استراتيجياً في معركته الداخلية.

 أرمينيا باتت اليوم بين فكي الأخطار الداخلية والخارجية، لذا فإنها بأمسّ الحاجة إلى وضع حد للنزيف الداخلي وإعادة البناء من جديد، وإلا فإن البلاد سيضربها الفشل من كل جانب، لتكون مجدداً أمام عواصف حروب إقليمية أخرى قد تزيد من معاناتها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"