جبر الخواطر

00:55 صباحا
قراءة دقيقتين

مريم البلوشي

النفس تتعب وتُختبر، والقلب يحزن ويتألم، الفقد موجع والحسرة قد تقتلك إن لذت إلى وحدتك، السؤال واجب والحياة جبلت على أن نعيش مع بعضنا، يحسّ أحدنا بالآخر ويتقرب إلى الله بفعل الخير وبعض الخير هو: جبر الخواطر.!
ضرب قادتنا، ولاة أمرنا أروع الصور والأمثلة في جبر الخواطر، في مواقف عدة، في الحرب حين استشهد أبناء الوطن لم يقتصروا على المكالمات الهاتفية، أو إرسال من ينوب عنهم، كان لتواجدهم بين أهالي الشهداء أروع صورة خلدها التاريخ، حين كانوا الأب الحنون لأطفال يُتّموا، وسنداً لآباء وأمهات فقدوا فلذات أكبادهم، فكانوا هم الابن بعد فقد الابن، وحين اجتاحتنا الجائحة كانوا لمن على هذه الأرض سنداً لم يفرقوا بين صغير أو كبير، مقيم أو مواطن، وكان حضورهم بالكلمة الطيبة أروع مثل ليطَمئنوا من خاف من مصير مجهول، هو جبر للخواطر لتهدأ وتطمئن وتكون في أمن وآمان.
في صورة معاكسة لبعض البشر بيننا، حين تمر بمحنة وتعجز حتى عن البوح تتعرف إلى العالم البعيد والقريب، تعرف كيف أن في البشر معادن جميلة فضلهم الله على بعضهم بخُلقهم، بسؤالهم عن الآخرين، بتطييب خواطرهم، فهم أهل للواجب وفعل الخير، وسؤالي لمن لا أدري أين اختفى فجأة: هل تتكبد العناء إن كتبت كلمة لأحدهم في ضيقة وحزن؟ هل نسيت أنك في يوم ستدور عليك دائرة الحزن وتحتاج للمواساة؟ لماذا أصبحت النفوس متثاقلة في الواجب، في الاطمئنان على غيرها؟ لماذا أصبحنا قاسين بُخلاء حتى بالكلمة؟ هل يأخذ منك وقتاً أن تكتب لأحدهم، أن تزوره، أن تتصل به؟ تمر علينا كل يوم الرسائل والأخبار السعيدة قبل المحزنة ولا نبارك أو نشد من أزر أحدهم، أو نشاركه فرحه!.. جبر الخواطر باب جميل من أبواب الخير، فكيف أرى شخصاً قريباً أعرفه حق المعرفة ولا أذكر له أني أحس به، موجود من أجله، متعاطف معه، متأثر بما يمر به، متفهم لظرفه، متواجد لأجله؟!.
في الضائقة تكشف المعادن ويتجرد البشر من الأقنعة، فتبرز الحقيقة التي قد لا تكون جميلة أحياناً، لا نقول إن الكل سواسية، فللبعض ظرفه وحاله، ولكن أين نحن من شعور المواساة الإنسانية؟!.. في المحنة ستعرف المحب القريب، وستتعلم أن تعيد دراسة حياتك، خريطة أصدقائك ومعارفك، ستتعلم أن الكثرة ليست مهمة، لكن في هذه الكثرة كم من هذه الأعداد في قلوبهم لا تزال الإنسانية، أصبحت حياتنا مادية بحتة حتى في مشاعرنا، تأكد لا أحد يريد منك مالاً أو نسباً أو قرباً، بل تعشّم فيك خيراً وترقّب منك سؤالاً، واليوم لم تعد في قراره أو حياته؛ لأنك كنت في غفلة عن حاله..!

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"