في مواجهة ثقل الحياة

23:13 مساء
قراءة 3 دقائق

علاء الدين محمود

القراءة ملاذ آمن، تلك حقيقة فحصتها وأثبتتها يوميات ووقائع جائحة كورونا، حيث لجأ الكثيرون حول أنحاء العالم للاطلاع، ليس لتزجية الوقت فقط، أو كوسيلة للهروب من العزلة والضجر والملل والاكتئاب، وغيرها مما تسببه العزلة القسرية، ولكن للاستعانة ب«خير صديق في الزمان»، من أجل مواجهة ثقل الحياة في أيام الوباء، ولمعرفة كيف واجهت البشرية الكثير من الأحداث المماثلة، وكيف تعايشت مع الأوبئة، وكيف مرت الأيام والليالي في ظل الأمراض، ربما هي قراءة استكشافية بحثاً عن الطمأنينة، فالناس عندما يعرفون أن العالم قد مر بأحداث مماثلة من قبل، ربما سيقل القلق لديهم، فيعتادون على الوضع الجديد.

والحقيقة أن أيام الجائحة لم تؤثر إيجاباً في ارتفاع معدلات القراءة فقط، بل وفي مؤلفات معينة كالروايات والمؤلفات التي تحدثت عن الأوبئة، أو تلك التي تنبأت بها، مثل رواية «عيون الظلام»، للكاتب الأمريكي دين راين كونتر، والتي حملت إشارة غريبة عن فيروس قاتل يعرف باسم «ووهان 400»، وهو اسم المدينة الصّينية التي ظهر فيها فيروس «كوفيد - 19» لأول مرة.

ولعل من أبرز الكتب التي وجدت صدىً كبيراً لدى القراء في يوميات العزلة كتب مثل: «الموت الأسود» للكاتب جوزيف بيرن، الذي تناول مرض الطاعون في العصور الوسطى وقام بتصوير الحياة الاجتماعية وأثر الوباء على حياة الناس في تلك الأيام، والكثير من المؤلفات التي تحدثت عن الأوبئة، لكن الغلبة كانت، كالعادة في مثل هذه الظروف، للرواية، فقد انصرف معظم القراء نحو نفض الغبار عن أعمال روائية ربما اطلعوا عليها في وقت سابق، أو منذ أن كانوا صغاراً، لكن بالطبع سيكون لها طعم ومذاق ومتعة خاصة في زمن العزلة مثل رواية «الحب في زمن الكوليرا» رائعة لماركيز، و«العمى»، و «انقطاعات الموت» لجوزيه سارماجوا، ولكن تبقى رواية «الطاعون» لألبير كامو هي الأكثر مقروئية في أيام الجائحة، وذلك لأن الكاتب تناول باقتدار شديد وقائع ويوميات مشابهة لما يحدث في الوقت الراهن.

ودخل بعض الفلاسفة على خط الجائحة لينظّروا لها، من أبرزهم سلافوي جيجك الذي ألف كتاباً فكرياً عن الجائحة، وكانت المفارقة أن الرجل قد وصف كورونا بالمرض الأيديولوجي، ورغم أن الوصف قد مال إلى الشطح بعض الشيء، لكنه حفز القراء في كثير من أنحاء العالم، وبصورة خاصة في أوروبا في البحث عن تناول الفلاسفة للأوبئة والأمراض، فلم يتركوا نصاً إلا اقتفوا أثره، حتى أن كتاباً مثل «تاريخ الجنون» لميشيل فوكو، باعتبار أن الجنون من الأمراض، قد نال حظه من التنقيب، وكذلك مؤلفات نيتشة الذي كان يرى أن المصافحة غير جيدة وقد تنقل الأمراض، بل وأيضاً أعمال وليم شكسبير التي تحدث في بعضها عن مرض التعرق الإنجليزي المعدي والخطير، وقد اهتمت الكثير من الصحف الكبرى في العالم بالتناول الفلسفي للجائحة، حتى إن مجلة «فورين بوليسي» طلبت وجهات نظر اثني عشر مفكراً، ليقدم كل منهم قراءته الخاصة للمستقبل، ما أدى إلى ارتفاع الإقبال على مؤلفات الفلسفة إلى جانب الروايات وبقية ضروب المعرفة.

ولا شك أن القارئ قد خاض، من خلال الاطلاع والقراءة في زمن الجائحة، مغامرة حقيقية في عوالم من المتعة والفائدة المعرفية، بل والدهشة أيضاً فبعض تلك المؤلفات نقلت للقارئ الشعور بأنها قد كُتبت خصيصاً لتلك اللحظة الاستثنائية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"