«كوفيد -19» نتيجة اقتصادية

21:43 مساء
قراءة 4 دقائق

لويس حبيقة *

«كوفيد- 19» هو نتيجة اقتصادية للتصرفات والإهمال الكبير على مدى عقود، والمهم اليوم أن إنكار وجود تغير مناخي سلبي هو في غاية الخطورة
مشكلة التلوث قديمة جداً، والإهمال ليس حديثاً. ففي سنة 1865، قال الاقتصادي «جوفونز» إن الفحم هو أهم مادة أولية، بل فوق كل المواد ويدخل في صلب حياتنا. وقال الكاتب فيكتور هوجو في سنة 1840 إن الطبيعة تتكلم، بل تتوجع، والإنسان لا يصغي. وحسناً فعل الرئيس بايدن في تكليف «جون كيري» مهمة البيئة، وهو السياسي المعروف والمرشح الرئاسي السابق. قال كيري إن كلفة معالجة التلوث البيئي كبيرة جداً، لكنها تبقى أقل بكثير من كلفة عدم المعالجة. ونعلم جميعاً أن الولايات المتحدة والصين تطلقان 41% من مجموع إصدارات الغاز الفحمي العالمي، وهذا خطير. لذا فإن معالجة مشكلة التلوث تتطلب تعاوناً عميقاً بين الاقتصادين الكبيرين بسرعة.
هنالك من يقول إن إصلاح المناخ مستحيل ضمن النظام الاقتصادي العالمي الحالي. والموضوع في رأي الخبراء ليس تقنياً، بل نظري وعقائدي. وتقول المتخصصة الصحافية «ناومي كلاين» إنه يجب الاستفادة من التغير المناخي السلبي لتغيير النظام الاقتصادي العالمي. وبُني النظام في رأيها على مقولة إن السوق تعطي الحلول لجميع المشاكل، وبالتالي كلما تحررت الأسواق يزدهر الاقتصاد. وتقول كلاين إن مشكلة النظام ليست فقط في النظريات التي بني عليها، وإنما خاصة في الجشع، بل الإدمان المادي والرغبة في تحقيق أعلى الأرباح مهما كانت الكلفة الاجتماعية. وبُني الاقتصاد العالمي على استهلاك الفحم ليس بسبب الجهل تجاه البدائل، بل لأن المصالح تقضي باستعمال هذه الطاقة على حساب البيئة وصحة الإنسان.
وفي رأي كلاين، تم إقناع المواطن بأن البدائل للفحم مكلفة، وربما غير متوافرة، وبالتالي فإن الاستمرار في التلوث الإنتاجي لا مفر منه. هل أتت «كوفيد -19» من هذه التصرفات غير الأخلاقية على مدى عقود متواصلة؟ تقول كلاين إن الخيار واضح، أي نقفز إلى الأمام أو نغرق. الخيار بديهي لكن القرارات لم تتخذ بعد على الصعيد العالمي خاصة بعد تجاهل الموضوع من قبل الرئيس ترامب لسنوات أربع. والحقيقة أن المجتمعات قادرة على التغيير، وتمت تغيرات كبرى تقنية في الماضي، لكن الموضوع لم يعد تقنياً فقط، بل سياسي واقتصادي، ويرتكز على بناء نظام عالمي جديد. وتقول كلاين إن علينا تغيير طرق الإنتاج والاستهلاك، أي عملياً، تغيير طريقة حياتنا كي نستطيع إنقاذ الكرة الأرضية التي نعيش عليها.
ما يدهش أحياناً هي تصاريح بعض المسؤولين السياسيين تجاه التغير المناخي. حيث قالت «سارا بايلين» مثلاً، التي ترشحت للانتخابات الرئاسية الأمريكية مع السيناتور جون ماكين، ضد الثنائي أوباما – بايدن، إنها تتنشق التلوث والغاز الفحمي، وهذا يسعدها ربما إرضاء للملوثين الداعمين لها. ولحسن الحظ خسرت الانتخابات وتجنبنا الأسوأ. وفي الحقيقة لم تهتم الدول بالكارثة المناخية الحالية كما اهتمت بالكوارث النقدية والمصرفية التي حصلت سابقاً، وهذا يدل على القصور والجهل، وربما كان الهدف الحفاظ على المصالح التجارية والمادية الكبيرة.
ومن الطرق المتبعة اليوم هي تغيرات جزئية في التحسن المناخي وهذا حتماً غير كاف، ولا يعطي النتائج المتوخاة. وتكمن المشكلة ليس في التقنيات فقط، وإنما في ركائز النظام الاستهلاكي التبذيري والإنتاجي الذي كنا نعيش فيه طبعاً قبل «كورونا». وللأسف، ما زال العالم في معظمه يتجاهل المطلوب، ليس عجزاً، بل على الأرجح لأن المصالح المادية تشجع على الإنكار. وربما نحتاج عالمياً إلى نوع من خطة مارشال للأرض، أي أموال كبيرة وتكنولوجيا متطورة لبدء المعالجة.
وقال «جينار ميردال» الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل، إن الاقتصاديين كانوا مشغولين على مدى عقود بالنمو، مهما كانت الكلفة، وبالتالي أهملوا دراسة المناخ وتأثيراته. لكن ميردال لم يكن متشائماً، إذ إن العالم مر بظروف سيئة سابقة وعالجها، منها تأثيرات الزيادات السكانية الكبيرة، وتوافر المواد الأولية والأمراض الكبيرة التي أصابت العالم، إضافة إلى الأزمات المالية الاقتصادية كل عشر سنوات.
ومن الأخطاء السابقة أن العالم اعتمد على الناتج المحلي الإجمالي لتقييم نجاح أو فشل المجتمعات. وكل ما كانت زيادة الناتج السنوية كبيرة، كلما تحسنت أوضاع المجتمعات المادية. ولا بد اليوم من إيجاد مؤشرات أخرى تأخذ في الاعتبار العوامل الإنسانية والمناخية والصحية والاجتماعية التي من دون شك تعطي نتائج أخرى على صعيد النمو النوعي. والدول التي احترمت نموها هي التي وجدت نقلاً عاماً فاعلاً حماية للتلوث وصحة الإنسان، كما التي غيرت طرق استهلاكها للأهداف نفسها. وهنالك حدود للنمو المادي المتواصل قبل أن تنفجر الأمور. «كورونا» هي نتيجة اقتصادية للتصرفات والإهمالات الكبرى على مدى عقود.
المهم اليوم أن إنكار وجود تغير مناخي سلبي هو في غاية الخطورة، ويظهر أن الذين ينكرون هذا الواقع أصبحوا أقلية، وربما غير فاعلة في السياسات والقرارات الدولية. ومن المحزن القول إن هنالك مصالح مادية كبيرة تدفع نحو إنكار وجود التلوث لتملأ جيوبها أكثر بالثروات على حساب صحة المواطنين.
* أكاديمي لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"