مبادرات واشنطن الساخنة في سوريا

00:21 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

كان لافتاً أن الإدارة الأمريكية الجديدة اختارت أن ترد في سوريا على الهجمات الصاروخية التي تعرضت لها السفارة الأمريكية في بغداد، وقبلها على قواعد عسكرية أمريكية في مطار أربيل بشمالي العراق. جون كيربي المتحدث باسم (البنتاجون) أفاد في بيان له بأن «القوات الأمريكية نفذت ضربات جوية بتوجيهات من الرئيس بايدن، استهدفت بنية تحتية تستخدمها جماعات متشددة مدعومة من إيران في شرقي سوريا»، وزاد توضيحاً أن «الضربات دمرت عدة منشآت في نقطة سيطرة حدودية تستخدمها جماعات متشددة مدعومة من إيران ومنها كتائب «حزب الله» و«كتائب سيد الشهداء»».

 إذا كانت التنظيمات المستهدفة التي تنتمي إلى مكونات «الحشد الشعبي العراقي» وإذا كانت الاعتداءات وقعت على منشآت عسكرية أمريكية في العراق، فلماذا جاء الرد الأمريكي على سوريا وليس على العراق، حتى وإن كانت الضربات قد استهدفت التنظيمين العراقيين؟

 الإجابة التي جرى تداولها تركزت حول أمرين؛ أولهما أن الرئيس بايدن كان وما زال حريصاً على عدم الإساءة لعلاقة رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي بالتيارات والأحزاب العراقية المناوئة، وعدم توتير العلاقة بينه وبين إيران في محاولة لتمكينه من تحقيق إنجازات في بنود أجندته السياسية، وهذه أمور تخدم مصالح واشنطن مع الكاظمي. 

 أما الأمر الثاني فهو عدم تعكير صفو أجواء استضافة العراق لبابا الفاتيكان، وتأكد هذا الحرص في التزام واشنطن ضبط النفس على الهجوم الصاروخي الذي تعرضت له قاعدة «عين الأسد» الأمريكية في العراق بعد أيام قليلة من الهجوم الأمريكي على مواقع التنظيمين العراقيين على الأراضي السورية.

 غابت سوريا عن مجال الاجتهاد والتأويل لخلفيات الهجوم الأمريكي، الأمر الذي فرض التساؤل المهم: هل فعلاً كانت سوريا غائبة كهدف عن ذلك الهجوم؟

 السؤال ضروري لأن هذا الهجوم جاء باعتباره أول مؤشر أمريكي للتعامل مع سوريا في ظل إدارة جو بايدن. هل يستهين بايدن بسوريا إلى هذا الحد، أم أن هذا الهجوم يمكن اعتباره إشارة إلى توجه سياسي أمريكي جديد نحو سوريا، ربما يأتي مغايراً عن نهج الإدارة السابقة للرئيس دونالد ترامب، في ظل حرص إدارة بايدن على «التسخين» في العلاقة مع روسيا في كثير من الملفات ربما تكون سوريا هي أحداها؟

ما يزيد خلفيات هذا الهجوم الأمريكي على سوريا أيضاً أنه تم دون إعلام روسيا به على خلاف من هجمات أخرى شنها الأمريكيون عامي 2017 و2018 كان يتم فيها التنسيق مع العسكريين الروس قبل وقت مسبق مناسب لتفادي حدوث أية احتكاكات ضمن حرص «شكلي» لاحترام مناطق نفوذ كل من الطرفين الأمريكي والروسي في سوريا. هذه المرة، وباعتراف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مؤتمره الصحفي مع نظيره الأفغاني، تحدث بضجر قائلاً: «تم تحذير جيشنا قبل أربع أو خمس دقائق.. ولو تحدثنا عن مسألة ما يعرف بعدم التضارب (أو عدم الاحتكاك) كما هو معتاد بين العسكريين الروس والأمريكيين، فإن هذا النوع من الإخطار (الذي حدث هذه المرة قبل دقائق معدودة من الهجوم) لا يعطى شيئاً، عندما وجهت الضربة بالفعل».

 هذا يعنى أن الهجوم العسكري الأمريكي على مواقع التنظيمين العراقيين على الأراضي السورية كانت له خلفياته التي تخص سوريا سواء ما يخص مستقبل الموقف الأمريكي من الوجود العسكري الروسي، أو ما يخص الموقف من مستقبل التسوية السياسية المحتملة للأزمة السورية، وشروط واشنطن الجديدة للإبقاء على نظام الرئيس بشار الأسد.

 هناك دليل إضافي يؤكد ويدعم هذا الفهم هو تزامن ذلك الهجوم مع تصعيد أمريكي ضد الرئيس بشار الأسد تولت مسؤوليته هذه المرة المندوبة الأمريكية الجديدة في الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد، فأمام مجلس الأمن الدولي شنت هجوماً حاداً على كل من نظام الرئيس بشار الأسد وروسيا وتجديد الاتهامات الأمريكية للجيش السوري باستخدام أسلحة كيميائية ضد مواقع مدنية واتهام روسيا بالدفاع عن النظام والتستر عليه. وبعد يوم من هذا الهجوم تحدثت أمام جلسة عقدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة خصصت لمناقشة حقوق الإنسان في سوريا وهاجمت النظام السوري على ممارساته ضد المعتقلين وشروطه المجحفة لعودة اللاجئين.

كان لافتاً أيضاً في كلمة جرينفيلد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قولها: «حان الوقت لكي نتوصل إلى حل سياسي فعلى للأزمة السورية»، لكنها لم تشأ أن تقدم أية معالم لذلك الحل الذي تراه الإدارة الأمريكية الجديدة، ولم تشر إلى ما يمكن اعتباره استمرارية أو تغير في السياسة الأمريكية الجديدة في سوريا عن سياسة إدارة دونالد ترامب التي كان قد أجملها المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا جيمس جيفري عقب إعلانه انتهاء مهمته في سوريا (نوفمبر 2020) بتوريط روسيا في سوريا وجعلها «مستنقعاً» يحول بين موسكو وبين جني ثمار وجودها في سوريا. لكن يبقى السؤال: ما هي جدية هذا الترجيح، وما هي مضامين السياسة الأمريكية الجديدة في سوريا، في ظل ما حدث من مبادرات ساخنة حتى الآن بهذا الخصوص؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"