أبو الغيط يذكّرنا بقوس الأزمات

00:23 صباحا
قراءة 4 دقائق

عاطف الغمري

في سياق كلمة الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير، جاءت عبارات لافتة، وحرّكت في الذاكرة أحداثاً جرت في سنوات مضت. وإذا كان البعض قد اعتبر أن هذه العبارات تتحدث عن سياسات لقوى كبرى في فترة زمنية مضت، فإن التذكير بها من الأمين العام يأتي بمثابة تنبيه بأن هذه السياسات لا تزال قائمة ولم تطو صفحتها بعد. فهو القائل «إن منطقتنا العربية تعيش في حزام من الأزمات، وفي بؤرة تهديدات خطيرة محيطة بها.. وأننا نشهد وضعاً متوتراً في قمة النظام الدولي، ومن المهم في هذا السياق المضطرب أن نستمر في الدفاع عن قضايانا العربية العادلة، وفي التعبير عن مصالحنا وشواغلنا بصورة جماعية، وبصوت واحد يعكس وحدة الإرادة واجتماع الكلمة والهدف».

 من هنا شعرت بأهمية إلقاء الضوء من جديد على نظرية قوس الأزمات التي أشار إليها، وحتى لا نكون قد نسينا.

 هذا التعبير كان قد ارتبط بمستشار الأمن القومى الأسبق زيجنيو بريجنسكي الذي صاغه في عام 1978، بعبارات صريحة. ووصفه بأنه يمتد في منطقة ذات أهمية حيوية للغرب، تمتد من شبه القارة الهندية شرقاً إلى القرن الإفريقي غرباً، لكن الشرق الأوسط يحتل النقطة المحورية فيها.

 ومنذ عام 1977 وحتى 2008، أصدر بريجنسكي أربعة مؤلفات تتضمن شرحاً لسياسة أمريكا الخارجية، حدد فيها الاستراتيجية العالمية للسياسة الخارجية، ومطالباً بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط ولو بالقوة، لتشمل سوريا، والعراق، وأفغانستان.

 وعلى ضوء ما جاء في هذه المؤلفات فإن مجلة « ذا نيشن» الأمريكية نشرت دراسة تصف فيها بريجنسكي بأنه من دعاة عسكرة السياسة الخارجية، وخاصة في تركيزه على أن العالم الإسلامي يفرز سلسلة من الحروب والاضطرابات المستمرة إلى اليوم، ومتجاهلاً دور القوى الخارجية في إشعال هذه الأحداث.

 ولم تكن خطط بريجنسكي تبتعد كثيراً عن أفكار برنارد لويس التي وصفت في مراجع عديدة بالتدمير المعاصر للشرق الأوسط.

 ولويس كان في شبابه ضابطاً في وحدة المخابرات البريطانية في العالم العربي، قبل انتقاله إلى الولايات المتحدة، وهناك كتب مقالاً دعا فيه لوضع استراتيجية لتشجيع جماعات إسلامية، ودعمها لتكون سلاحاً ضد النفوذ السوفييتي في الشرق الأوسط، وضد حركة القومية العربية. وهو ما أخذت بأفكاره الإدارة الأمريكية أثناء حكم أيزنهاور عام 1953، ونفذتها بإقامة علاقة رسمية للمخابرات المركزية مع جماعة الإخوان، يمثلهم سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا.

وكان ذلك ضمن توسيع دائرة التهديد من داخل منطقتنا، في شكل عمليات متطرفة وإرهابية، وفق ما أصبح يعرف ب «العدو في الداخل»، بعد تطبيق نظرية انتقال خط المواجهة من على الحدود إلى داخل الدولة.

 وفي عام 1997 عاد تعبير قوس الأزمات يتردد بقوة في مؤتمر سياسة أمريكا الخارجية للقرن الحادي والعشرين، الذي عقد في جامعة رايس في هيوستون بولاية تكساس، بدعوة من مركز جيمس بيكر للسياسات العامة. وحضره جميع وزراء خارجية أمريكا الذين على قيد الحياة. وكنت حاضراً هذا المؤتمر بصفتي رئيساً لمكاتب الأهرام في الولايات المتحدة.

 وفي كلمته ذكر جيمس بيكر أنه يوجد ما يسمى قوس الأزمات في مناطق تضم معظم أراضي شمال إفريقيا والشرق الأوسط، متصلاً بوسط آسيا. وأن النزاع العربي الإسرائيلي يعتبر واحداً من النزاعات القائمة.

 وحين جاء الدور على هنري كيسنجر، أشار إلى النزاعات العرقية والدينية في منطقة قوس الأزمات. وقال إن من الصعب على الأمريكيين أن يضعوا أيديهم على البواعث التي تشعل الصراعات العرقية والخلافات الثقافية في هذه المناطق. وكان هذا هو نفس تفكير بقية وزراء الخارجية.

  وكان جديراً بالاهتمام ما جاء من قبل المفكرين وخبراء السياسة الخارجية وقتئذ، والذين وجدوا أن الولايات المتحدة تفتقد حتى اليوم رؤية متكاملة وقاطعة لدورها في العالم في القرن الحادي والعشرين، وأنها تواجه الأحداث بقرارات تصدر على أساس« يوماً بيوم»، وحسب الحالة التي تواجهها. وقولهم إن هذه سياسات فاقدة المفعول. وإن أمريكا في غياب رؤية واضحة، من بعد انتهاء الحرب الباردة، تدخل في تجارب لاختبار صلاحية سياسات تحمل مسميات جديدة، لكنها في حقيقتها قديمة.

 يعود بنا ذلك كله إلى ما تحدث عنه الأمين العام أحمد أبو الغيط، والذي لا يختلف معناه عن أن قوى خارجية لا تزال تتربص بمنطقتنا في إطار نظرتها لمفهوم قوس الأزمات، وذلك حين نبه إلى أن المنطقة العربية تعيش في حزام من الأزمات، وفي بؤرة تهديدات خطيرة محيطة بها.

 وفي تقديري إن وضعاً كهذا لا يصلح معه أن نظل نحن في مكان المتلقي لما يقرره الآخرون، وفي قضايا تخصنا في المقام الأول. إذ لا بد من تحركات عربية جماعية لطرح رؤيتنا للأمور، وبزيارات لمسؤولين وخبراء عرب، يلتقون ليس فقط مع صانع القرار هناك، بل أيضاً مع مراكز التأثير السياسي وهي كثيرة، في مختلف الولايات وليس في واشنطن وحدها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"