الفصل الثمانون والحالة التونسية

01:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

رئيس الجمهورية لا يمكنه تفعيل الفصل 80 لأن هناك قطيعة مع البرلمان ومع الحكومة، ولأن المحكمة الدستورية غائبة
المتابع للحالة السياسية التونسية يمكنه أن يرى بكلّ وضوح حالة «الانحباس» التي أدت إليها العملية السياسية برمتها، بعد مضي نحو عشر سنوات من سقوط نظام بن علي. وعلى غرار تجارب ديمقراطية أخرى، فإنّ الحالة التونسية لا يريد لاعبوها المضي إلى انتخابات مبكرة تمكن من استعادة استقرار سياسي يمكن أن يخرج البلاد من أزماتها الاجتماعية والاقتصادية الخانقة.
 يتفق المراقبون يميناً ويساراً على أن الوضع بات ينذر بانفجار اجتماعي شامل، وما وقع في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي ليس سوى مقدمات ومؤشرات على ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع مستقبلاً. وعندما تسأل أحد المراقبين عمّا إذا كانت البلاد وصلت إلى حالة «الخطر الداهم»، فلا يختلف اثنان في ذلك التوصيف، أمّا إذا سألت عن الحل الدستوري في حالة وجود خطر داهم، فإنّ لكل طرف تفسيراته، فمؤيدو الرئيس يدفعونه إلى تفعيل الفصل 80 من الدستور، الذي يقضي بإعلان أحكام استثنائية، أما خصومه فيحذرون من اللجوء إلى هذا الفصل ويرفعون عقائرهم بالقول إنه انقلاب على دستور الجمهورية الثانية، وفي حالة الاحتقان هذه لا يعرف الكثيرون أنّ تطبيق الفصل 80 وإعلان الاحكام الاستثنائية غير ممكن عمليّاً وذلك لعدّة أسباب، سنشرحها بعد التعرف على فحوى هذا الفصل.. ينصّ هذا الفصل الإشكالي من دستور 2014، على أنه «لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد واستقلالها يتعذّر معه السير العادي لمؤسسات الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية ويعلن التدابير في بيان للشعب».
 قراءة هذا النصّ تؤكّد أنه، حتى في حالة اتفاق الرؤساء الثلاثة على توصيف الوضع الحالي بأنه «خطر داهم»، فإنّ إعلان أحكام استثنائية لا يمكن أن يتم فعلياً لأنّ الرئاسات الثلاث في تونس هي الآن في حالة قطيعة شاملة، ولا يمكنها حتى مجرّد اللقاء في حوار حول الأوضاع الداخلية ناهيك عن إعلان أحكام استثنائية. ومن جهة أخرى يكرر رئيس الحكومة أنه لن يستقيل مهما حدث، أما رئيس مجلس النواب، الذي يشكل «المشكل الحقيقي» في تونس، فهو  برغم عرض لائحة سحب ثقة ضده سابقاً، ورغم الشروع في جمع توقيعات من أجل سحب الثقة منه مرة ثانية، وبرغم النصائح العديدة التي تصدر من جهات عدة صديقة ومناوئة لدفعه للاستقالة من أجل استعادة نوع من الاستقرار السياسي، وقبل أن تغلق كل أبواب المغادرة أمامه  إلا أنه يكابر ويصر على البقاء دون تغليب للمصلحة الوطنية على النوازع الشخصية. ولهذا فإن رئيس الجمهورية لا يمكنه تفعيل الفصل 80 لأن هناك قطيعة مع البرلمان ومع الحكومة، ولأن المحكمة الدستورية غائبة، وترفض حركة النهضة المصادقة عليها في البرلمان لأنها تريد استمرار الوضع على ما هو عليه من حالة تعطل.
 لجملة هذه التفسيرات، نعتقد أن تونس تحتاج إلى ما هو أكثر من الفصل 80 من الدستور، لأنّ الشلل أصاب الاقتصاد برمته فيما يعيش القضاء حالة تعطل هو الآخر بسبب التجاذبات السياسية، التي عطلت كشف الكثير من الملفات خاصة قضايا الاغتيالات السياسية التي لعب فيها القضاء المخترق من حركة النهضة، دوراً أساسياً في عدم كشف الحقائق برغم مرور ثماني سنوات على تلك الحوادث المؤلمة التي لم تعرفها تونس عبر تاريخها المعاصر. كما فشلت منظمات المجتمع المدني وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل في جمع الشمل كما حدث في سنة 2013، التي انتهت بتشكيل حكومة كفاءات والذهاب إلى انتخابات، بعد سنة من خروج حركة النهضة من الحكم. 
الحوار الآن مرفوض من قبل رئيس الدولة، الذي يصر على أنه لن يتفاوض مع الفاسدين ومع الذين يقفون ضد مصلحة الشعب. وعلى المستوى المالي تقف البلاد على حافة الإفلاس بعد شهر من الآن، حيث ينتظر أن تعلن وكالة موديز عن تراجع تونس إلى المرتبة «سي» التي تعني حالة الإفلاس. أما الشعب الذي يعاني موجة ارتفاع جنوني في الأسعار، فيرفع درجة الضغط على الحكومة من خلال مطالب مادية بدأت النقابات العمالية ترفعها وتطالب الحكومة إما بتطبيقها أو بالمرور إلى حركات احتجاجية واسعة.. لكل هذا قلنا إن الفصل 80 غير كاف لعلاج الحالة التونسية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"