سحر «الأغاني»

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

يخبرنا التاريخ الإسلامي بأن الخلفاء العرب اهتموا اهتماماً كبيراً بالأدب والفنون، ومن أشهر الخلفاء الذين أولوا الفنون مكانة عظيمة هارون الرشيد الذي طلب من نديمه إبراهيم الموصلي تجميع أفضل 100 أغنية، فاختار الموصلي أبو الفرج الأصفهاني للقيام بهذه المهمة، كان أبو الفرج ضليعاً في اللغة والبلاغة والنحو والسيّر وشاعراً يحفظ من الأخبار والآثار والأحاديث ما لا ينافسه فيه أحد من علماء عصره. 
قضى أبو الفرج خمسون عاماً يسرد قصص الشعراء وأشعارهم، كما سرد الألحان وأهم المطربين من العصر الجاهلي مروراً بصدر الإسلام ثم العهد الأموي، والعباسي إلى الخليفة العباسي المعتضد بالله. وجمع كل هذه القصص في كتاب أطلق عليه «الأغاني»، والذي يعد موسوعة أدبية كبيرة لذكره أهم الشعراء والمطربين والألحان في كافة المجتمعات العربية. 
تكمن أهمية هذا الكتاب في أنه سجل بالتفصيل طرائق الغناء المتباينة وشرح معاني مفرداتها اللغوية. و لم يتقصر الكتاب على ذكر الشعراء والألحان بل تضمن أخبار وسير الخلفاء والوزراء والعلماء والأدباء، كما احتوى على القصص الغرامية بين الجواري والشعراء.
 دون الكتاب قصص أهم الشعراء في العصور المختلفة ومنهم على سبيل المثال عمر ابن أبي ربيعة، الفرزدق، جرير، عبد الرحمن أبو بكر، النابغة الذبياني. ومن المطربين: ابن سريج، معبد ابن وهب، طويس، ابن مسجح...الخ. 
 بعد انجاز الكتاب أهداه الأصفهاني إلى سيف الدولة الحمداني في حلب ومنحه ألف دينار ولما سمع المستنصر بالله أمير الدولة الأموية في الأندلس عن كتاب الأغاني ضاعف المكأفاة له وجعلها ألف دينار ذهباً. 
 باتفاق الكثير من المؤرخين يعد كتاب الأغاني من أمهات الكتب العربية، حيث أثرى الموسوعات الأدبية في الحضارة الإسلامية، كما انتشر صيته في الآفاق وتُرجم في الدول الأوروبية، واعتمد عليه كثير من الباحثين والمستشرقين في كتاباتهم، واعتبر موسوعة في معرفة الجانب الفني والشعري في المجتمعات الإسلامية.
 هذه الموسوعة الفنية قلما وجدت على مر العصور، إذ تعد الوحيدة التي تعنى بالفنون في التاريخ الاسلامي و يا حبذا لو اتخذت المؤسسات الثقافية في الدول العربية قراراً بتدوين حياة الشعراء وقصائدهم والمطربين والملحنين المعاصرين لتكون مرجعاً علمياً تعتمد عليه المؤسسات التعليمية والثقافية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

حصلت د.نورة على الدكتوراه في الدراسات الخليجية من معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر بالمملكة المتحدة .وماجستر في دراسات شرق أوسيطية بجامعة أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية. ودبلوم خبيرة التسامح الدولي من كلية محمد بن راشد. ومن إصدارات الدكتورة: كتاب بعنوان "العلاقات بين الإمارات والسعودية"؛ حاز هذا الكتاب على جائزة العويس للإبداع في 19 أبريل 2017 عن فئة أفضل كتاب نشرته مؤلفة إماراتية. تعمل في أكاديمية الإمارات الدبلوماسية وجامعة زايد وجامعة أبوظبي. لها العديد من المنشورات، كتاباتها تنحصر حول الفنون والثقافة. تعمل حاليًا على كتاب بعنوان "تأثير الموسيقى في حياتنا".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"