حقيقة ما يجري في صندوق المناخ الأخضر

21:33 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد *

كما هو معلوم، فإن الولايات المتحدة الأمريكية، أعادت تثبيت عضويتها في اتفاق باريس للمناخ فور تسلم الرئيس جو بايدن منصبه الرئاسي. كما اتخذت إجراءات فورية لتبيان تجديد التزامها بتطبيق الاتفاق، أبرزها تلك التي طالت صناعة النفط والفحم، على نحو خاص. وقبل هذا كان الرئيس بايدن ضم إلى تشكيلته الحكومية، جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس باراك أوباما، الذي شارك في صياغة وإعادة صياغة الوثيقة الختامية للاتفاق التاريخي الذي خرج به مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين الذي عقد في باريس عام 2015.

الجديد الذي رَشَح مؤخراً، هو أن جون كيري، الذي عينه الرئيس بايدن مفوضاً خاصاً لقضايا المناخ، أعلن، من ضمن مبادرات واشنطن لدعم جهود تطبيق الاتفاق، أن بلاده تتعهد بتقديم ملياري دولار لصندوق المناخ الأخضر؛ وهو المرفق المالي الأكبر والأهم في العالم المعني تحديداً بتقديم التمويل اللازم لمشاريع التخفيف (خفض الانبعاثات)، والتكيف في الدول النامية. 

ويبدو أن هذا التعهد الأمريكي الذي طمعت لوبيات المناخ في ألا يقل عن 6 مليارات دولار، قد أثار طمع وغيرة وحسد بعض مراكز القوى داخل صندوق المناخ الأخضر التي لطالما وقفت حجر عثرة، بمسوغات مراوغة، للحيلولة دون تقديم الصندوق للتمويل اللازم لعدد لا حصر له من الدول النامية المستحقة لهذا التمويل، باعتباره جزءاً لا يتجزأ من شروط نجاح صفقة اتفاق باريس للمناخ. 

علماً بأن هذا الصندوق كان اتُفق على إنشائه في مؤتمر الأطراف الخامس عشر في كوبنهاجن عام 2009، وتم تأسيسه في العام التالي في كانكون (المكسيك)، واعتُمدت آلية إدارته في ديربان (جنوب إفريقيا) عام 2011. وهو تابع لسكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ باعتباره كياناً تشغيلياً للآلية المالية المكرسة لمساعدة البلدان النامية في تنفيذ مشاريع التكيف والتخفيف لمواجهة تغير المناخ. واختيرت مدينة «إنتشون» بكوريا الجنوبية لتكون مقراً للصندوق الذي يديره مجلس إدارة مكون من 24 عضواً مدعومين من سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ.

وللأسف الشديد، تحاول بعض مراكز القوى النافذة المشبعة بروح العداء ضد كل ما يمس مصالح الدول النامية، لاسيما الدول العربية البترولية منها – التأثير، بالترهيب الإعلامي، في بعض مبادرات الصندوق التي أنشئ أصلاً من أجلها، وهي تقديم الدعم المالي للدول النامية تنفيذاً للهدف الموصوف في ميثاق تأسيسه، وهو «دعم المشاريع والبرامج والسياسات والأنشطة الأخرى في البلدان النامية الأطراف في اتفاق باريس للمناخ، باستخدام نوافذ التمويل ذات الصلة بقضايا التخفيف والتكيف». 

فبعد أن حرضت تلك الأوساط، إدارة بايدن على عدم تقديم مساهمتها المالية الجديدة للصندوق قبل أن يقوم الأخير بإعادة النظر في سياسته التمويلية، بما يعني تغليظ صرامة وتشدد متطلباته التمويلية لمشاريع التخفيف والتكيف في الدول النامية، قامت تلك الأوساط، بموازاة ذلك، وللأهداف نفسها التي تحقق استمرار هيمنة الدول المتقدمة على سياسة التمويل التي تشكل ركناً أساسياً من أركان اتفاق باريس للمناخ، بشن حملة ضد رئيس الصندوق الأمريكي، يانيك جليماريك، وبعض أعضاء مجلس إدارته، متهمين إياهم بعدم الشفافية والنزاهة في تعهيد بعض المشاريع لمصلحة الدول النامية. 

وقد أقحموا في هذا الأمر اسم مملكة البحرين بصورة استفزازية رخيصة، لمجرد أن البحرين، وهي المصنفة بمعايير قواعد اتفاقيات المناخ، كإحدى الدول الجزرية SIDS، على الرغم من أنها ليست عضواً في «تحالف الدول الجزرية الصغيرة». وهذا خطأ دبلوماسي تكتيكي وقعنا فيه، ويجب المسارعة لتصحيحه.

لقد أقحمت تلك الأوساط الغربية المريضة اسم دولة نامية، هي البحرين، في صراعاتها المصلحية البحتة، لمجرد أنها استضافت في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2018، إحدى فعاليات صندوق المناخ الأخضر، وحصلت، باستحقاق، على موافقة الصندوق لتقديم الدعم لأحد المشاريع التي تكتسي صفة الاستدامة، وكفاءة استخدام الموارد، ما يحقق تماماً أغراض الصندوق.

لقد اختلق ولفّق ذلكم البعض رواية تعمّد رواتها إهدار الحقائق الساطعة المتصلة بها، فضلاً عن الإساءة البالغة لسمعة دولة عضو فاعلة في الأمم المتحدة، وفي سائر منظماتها المتفرعة، دولة تحوز كامل الحصانة السيادية، وتتمتع بالتصنيف العالمي كإحدى الدول النامية لدى المنظمات الدولية. 

وتزعم الرواية أن البحرين طلبت من الصندوق مساعدة مالية قدرها 32 مليون دولار قبل استضافتها أحد اجتماعات الصندوق، لتمويل مشروع إعادة معالجة المياه التي تحقن في الآبار لدفع النفط إلى الأعلى، ومن ثم حقنها في خزان المياه الجوفية لتصبح صالحة للاستخدام الآدمي، ووجْه اعتراض تلك الجهات على هذا المشروع، أنه مرتبط بصناعة النفط التي تعمل تلك اللوبيات ليل نهار على شيطنتها وتحميلها كامل مسؤولية وأعباء الانبعاثات.

وما يجعل من هذا التعاطي الإعلامي المناخي (المتعلق بقضايا المناخ)، مثاراً للشبهة والريبة، أن الإساءة غير اللائقة التي انطوى عليها، لم تقتصر على محاولة تلويث سمعة دولة عضو لها مواقفها وسياساتها المسؤولة والمعروفة في مفاوضات المناخ، وإنما طالت أيضاً أحد الأعضاء العرب المخضرمين في مجلس إدارة الصندوق، الذي تسبقه سمعته الدولية الرفيعة والنزيهة في المحافل الدولية المكرسة لقضايا المناخ، الأمر الذي لا يمكن لأي مفاوض يمثل مصالح عموم الدول النامية، سواء من المجموعة العربية (22 دولة)، أو مجموعة ال 77 + الصين (التي تضم 134 دولة نامية)، أن يقبل مثل هذه المحاولات للإساءة إلى أحد كبار خبرائها في مجال مفاوضات المناخ. 

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"