عادي

قصة سفينة قناة السويس الجانحة من البداية حتى التعويم

14:58 مساء
قراءة 9 دقائق
Video Url
سفينة

القاهرة-وكالات، أ.ف.ب
بعد ستة أيام من السباق المحموم لتعويم السفينة «إيفر جيفن» التي جنحت في قناة السويس، الثلاثاء، مسببة أزمة عالمية في واحدة من أهم القنوات التجارية في العالم، تمكنت مصر أخيراً، من تعويمها، في انتظار تحريكها ثم السماح لمئات السفن المنتظرة بالعبور، في حين أشاد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بنجاح المصريين في إنهاء أزمة السفينة الجانحة في القناة.
وأكد رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع، أن عبور السفن المنتظرة عند مداخل القناة سيستغرق «ثلاثة أيام ونصف اليوم تقريباً»، بعد تعويم حاملة الحاويات البنمية الجانحة في المجرى الملاحي الدولي، منذ أسبوع.
وقال ربيع في تصريحات لقناة محلية إن «العمل في القناة سيستمر على مدار 24 ساعة» عقب تعويم السفينة الجانحة، ويتوقع أن يستغرق عبور السفن المنتظرة عند مداخل الممر المائي «ثلاثة أيام ونصف اليوم تقريباً» بعد ذلك. وبحسب موقع «لويدز ليست» فإن عدد السفن التي تنتظر عبور قناة السويس بلغ، صباح الاثنين، 425 سفينة.
وأثنى الرئيس المصري على نجاح المصريين في إنهاء أزمة السفينة الجانحة في قناة السويس. وقال في تغريدات نشرها بحسابه على «تويتر» عقب نجاح عملية تحريك السفينة اليابانية في القناة: لقد نجح المصريون اليوم في إنهاء أزمة السفينة الجانحة بقناة السويس على الرغم من التعقيد الفني الهائل الذي أحاط بهذه العملية من كل جانب، وبإعادة الأمور لمسارها الطبيعي، بأيد مصرية، ليطمئن العالم أجمع على مسار بضائعه واحتياجاته التي يمررها هذا الشريان الملاحي المحوري.
وأضاف: إنني أتوجه بالشكر لكل مصري مخلص ساهم فنياً وعملياً في إنهاء هذه الأزمة. وتابع: «لقد أثبت المصريون اليوم أنهم على قدر المسؤولية دوماً، وأن القناة التي حفروها بأجساد أجدادهم ودافعوا عن حق مصر فيها بأرواح آبائهم.. ستظل شاهداً على أن الإرادة المصرية ستمضي إلى حيث يقرر المصريون.».. وسلاماً يا بلادي.

وكان رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع قال، الأحد، إن جهود تعويم سفينة الحاويات البنمية العملاقة مستمرة على مدار الساعة من خلال القيام بأعمال التكريك نهاراً، وعمل مناورات الشد بالقاطرات في أوقات تتلاءم مع ظروف المد والجزر، في حين صرح لقناة «إكسترا نيوز»، بأن السيسي أمر بالاستعداد لسيناريو تخفيف أحمال السفينة الجانحة، لكن هذا السيناريو لم يتم بعد تعويم السفينة.
إلى ذلك، أعلن ربيع في وقت سابق، صباح الاثنين، أنه «تم تعديل مسار السفينة بنسبة 80 في المئة، وابتعاد مؤخرة السفينة عن الشاطئ بمسافة 102 متر بدلاً من 4 أمتار». وتوقع أن تتم عملية تعويم السفينة بالكامل عند «استئناف مناورات الشد والقطر في الساعة الحادية عشرة والنصف بالتوقيت المحلي (09،30 ت ج)»، موضحاً أن حركة المد تبلغ أقصاها في هذا التوقيت فيرتفع منسوب المياه في القناة.
وكانت شركة «إنش كيب» لخدمات الشحن قالت في تغريدة على «تويتر»، إنه تمت إعادة تعويم السفينة الجانحة في قناة السويس «إيفر جيفن»، الاثنين، ويجري حالياً تأمينها.

الصورة
سفينة


واستخدمت الحكومة المصرية طاقتها القصوى في محاولاتها لتعويم سفينة الحاويات العملاقة لإعادة فتح قناة السويس أمام حركة التجارة الدولية، وسط تساؤلات وعلامات استفهام كبيرة تدور حول كيفية جنوح السفينة ودورانها بشكل غير مألوف عن حوادث سابقة ما أدى إلى انسداد المجرى الملاحي.
وكشفت صور نشرتها وكالة «نوفوستي» الروسية بالأقمار الصناعية، الجمعة، عن مسار غريب سلكته سفينة الحاويات «إيفر جرين» العالقة في قناة السويس قبل دخولها والجنوح. وقالت الوكالة، إنه وفقاً للصور اتبعت السفينة مساراً مثيراً للجدل في البحر الأحمر، وتُظهر أنها سلكت مساراً دائرياً وغير مفهوم قبل أن تدخل ممر القناة.
وأظهرت صور أخرى نشرتها «بلانيت لاب»، الجمعة، عشرات السفن المتوقفة لحين إتمام عمليات تعويمها، وإعلان إعادة فتح القناة بعد تعليق الحركة فيها مؤقتاً وفقاً لـ«سي إن إن».
وكانت هيئة قناة السويس، أعلنت في وقت سابق أن الحادث «يعود بشكل أساس إلى انعدام الرؤية الناتجة عن سوء الأحوال الجوية نظراً لمرور البلاد بعاصفة ترابية، بلغت معها سرعة الرياح 40 عقدة، ما أدى إلى فقدان القدرة على توجيه السفينة، ومن ثم جنوحها».
لكن أسامة ربيع عاد وصرح، السبت، بأن سوء الأحوال الجوية لم يكن السبب الرئيسي لجنوح سفينة الحاويات الضخمة في المجرى المائي، مشيراً إلى احتمال وجود خطأ فني أو بشري بانتظار نتائج التحقيق. وقال في مؤتمر صحفي في مدينة السويس: «لم تكن الرياح والعاصفة الترابية السبب الرئيسي في جنوح السفينة لكن هذا ما في يدنا الآن.. وقد يكون خطأ فنياً أو خطأ شخصياً.. سيظهر كل ذلك في التحقيقات». وأضاف: «لا أظن أنها حادثة متعمدة، وقد طلبنا من ربان السفينة التحفظ على جميع الوثائق المكتوبة والمصورة والمسجلة، لحين إتمام التحقيقات بعد تعويم السفينة».
 وكانت السفينة البنمية العالقة، التي يبلغ وزنها 224 ألف طن في طريقها إلى ميناء روتردام في هولندا عندما خرجت عن مسارها. وقالت الشركة المشغلة للسفينة في بيان إن طولها يبلغ 400 متر تقريباً، عالقة عبر ممر تجاري حيوي عند الكيلو 151 في قناة السويس.
وجنحت سفينة الحاويات التي تعد أطول من أربعة ملاعب لكرة القدم، بالعرض في مجرى قناة السويس، منذ صباح الثلاثاء، ما أدى إلى عرقلة حركة الملاحة في الاتجاهين في المجرى المائي البالغ الأهمية. وأدى تعطل الملاحة إلى ازدحام مروري في القناة وتشكل طابور انتظار طويل يضم مئات السفن كانت بصدد عبور القناة البالغ طولها 193 كيلومتراً، ما تسبب بتأخير بالغ في عمليات تسليم النفط ومنتجات أخرى.


رأس الرجاء الصالح 

وقالت شركة أخبار وبيانات الشحن العالمية «لويدز ليست»، إنّ «شركات الشحن البحري أجبرت على مواجهة احتمال اتخاذ مسار أطول بكثير حول رأس الرجاء الصالح للوصول إلى أوروبا أو الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية».
وأوضحت الشركة أن «أول سفينة حاويات تقوم بذلك هي إيفر جريت التابعة لإيفرجرين.. وهي سفينة حاويات بنفس حجم وسعة السفينة الجانحة»، مشيرة إلى أنّ ذلك قد يستغرق 12 يوماً إضافياً.

 

الصورة
سفينة

 

خسائر بالمليارات

 وقالت شركة «لويدز ليست» إن الغلق يعيق شحنات تقدر قيمتها بنحو 9,6 مليار دولار يومياً بين آسيا وأوروبا.
وأشارت «لويدز ليست» إلى أن «الحسابات التقريبية» تفيد بأن حركة السفن اليومية من آسيا إلى أوروبا تُقّدر قيمتها بنحو 5,1 مليار دولار، ومن أوروبا إلى آسيا تُقّدر بنحو 4,5 مليار دولار.
وقالت أستاذة السياسات الدولية في جامعة «كوين ماري» في لندن لاله خليلي، إنه من الصعب تحديد الجهات المسؤولة عمّا جرى. وكتبت في صحيفة «واشنطن بوست» إن «تشعّب الملكيات والعمليات وتنوّع المرجعيات القانونية والدول المعنية» يصعّب مهمة تحديد الجهات المسؤولة عن الحوادث البحرية.
والسبت، أعلنت وزارة النفط السورية أنها تعمد إلى «ترشيد توزيع الكميات المتوفرة من المشتقات النفطية» لتجنّب انقطاعها، بعدما تأخر وصول ناقلة كانت تحمل النفط ومشتقات نفطية إلى البلاد بسبب تعطّل حركة عبور قناة السويس. وجاء في بيان لوزارة النفط والثروة المعدنية السورية أن تعطّل حركة الملاحة في قناة السويس «انعكس على توريدات النفط إلى سوريا وتأخر وصول ناقلة كانت تحمل النفط ومشتقات نفطية للبلد».
وأعلنت وكالة الصحة الحيوانية في رومانيا، السبت، أن 11 سفينة محمّلة بالماشية تأثرت بتعطّل حركة عبور القناة. وحذّرت منظمة «أنيمالز إنترناشونال» غير الحكومية من «مأساة» محتملة تتهدد نحو 130 ألف حيوان.


تفريغ الصندوق الأسود للسفينة

 

وقال المحقق البحري الربان السيد شعيشع، الذي يعمل ضمن فريق لجنة التحقيق التي شكلتها قناة السويس للحادث، إن السفينة «إيفر جرين» من أكبر الحاويات في العالم، وكانت تبحر في اتجاه الشمال من البحر الأحمر صوب البحر المتوسط في ظل أجواء مناخية صعبة، وعاصفة ترابية تسببت بانعدام الرؤية بشكل كبير. وأوضح أن دور المحقق في الوهلة الأولى قبل تفسير الموقف ولماذا جنحت السفينة بهذا الشكل في مسار غير مألوف، هو الاطلاع على تفريغ كل المواد والكاميرات والصندوق الأسود داخل السفينة بأسرع وقت ممكن، الأمر الذي طالب به الحكومة المصرية.
وأكد أنه في الفترة الأخيرة تطورت التكنولوجيا العالمية البحرية وطالتها تقنيات الجيل الرابع، خصوصاً في الصناديق السوداء داخل السفن العملاقة الحديثة على غرار السفينة البنمية، مشيراً إلى أنه في المجمل يحتوي حالياً على ما لا يقل عن 15 معلومة عما دار داخل السفينة قبل، وأثناء، وبعد الحادث، كما سيكشف الاتصالات والأوامر المتبادلة بين ربان السفينة وقناة السويس.

هل هناك عيوب فنية؟

وأشار المحقق البحري إلى أن الصندوق الأسود يوضح أيضاً إذا ما كانت هناك عيوب فنية في السفينة ذاتها أدت لجنوحها قبل أن تدخل قناة السويس، لافتاً إلى أنه لا يمكن أن تجنح السفينة بهذا الشكل من دون أسباب سواء فنية، أو أخطاء بشرية.
وأضاف أن الصندوق الأسود سيكشف أيضاً هل كان هناك عيوب فنية في إدارة وتوزيع الحاويات على جسم السفينة، مؤكداً أن اصطفاف وتوزيع الحاويات على السفينة يتم وفقاً لحسابات هندسية تتعلق بطولها وعرضها، ولا يتم توزيعها بشكل عشوائي، لافتاً إلى أن توزيع الحاويات والبضائع داخلها قد يتسبب بجنوحها عند تغير مسارها أو زيادة سرعتها.
وقال، إن التفسير المنطقي الأولي يفيد بأن قبطان السفينة حاول أثناء الملاحة داخل قناة السويس في تلك الأجواء المناخية الصعبة رفع درجة سرعة السفينة في ظل سرعة الرياح العالية، مشيراً أنه في تلك الحالات يسعى أي ربان سفينة إلى الحفاظ على تمركز السفينة لتكون في منتصف خط المجرى الملاحي للقناة في الأحوال الطبيعية، وأن الصورة العامة لجنوح السفينة بهذا الشكل الدائري غير المألوف في الحوادث البحرية خصوصاً في ظل ضخامة السفينة، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنها لم تستجب لتوجيهات الربان في ظل زيادة سرعتها، وانحرفت درجتين يميناً، أو يساراً، فحاول أن يرفع السرعة بشكل أكبر فاستجابت السفينة، ولكن اصطدمت مقدمتها بهذه السرعة في قاع وجانب القناة فدارت حول نفسها.
وحول تأثر المجرى الملاحي بمجرد جنوح سفينة، قال إن طولها وضخامتها مع زيادة السرعة لأكثر من اللازم في ظل سرعة الرياح تسبب بانغراس مقدمتها في القاع وجانب الممر بهذه السرعة، ما حركها دائرياً بهذا الشكل لتسد المجرى الملاحي وتمنع مرور السفن.

الصورة
سفينة

شريان التجارة العالمية الحيوي

وألقت حادثة جنوح ناقلة الحاويات العملاقة «إيفر جيفن» وإغلاق قناة السويس لأكثر من 6 أيام الضوء على أهمية القناة ودورها في الاقتصاد العالمي وحركة التجارة والملاحة العالمية. وتعد قناة السويس أقصر طريق يربط بين الشرق والغرب، بسبب موقعها الجغرافي، إذ تصل بين البحر المتوسط عند بورسعيد والبحر الأحمر عند السويس، الأمر الذي يضفي على الموقع طابعاً من الأهمية الخاصة للعالم ومصر.
وتحتفل قناة السويس التي تعد شريان الاقتصاد العالمي الحيوي والاستراتيجي، هذا العام بمرور 152 عاماً على افتتاحها.
ومرت القناة، منذ افتتاحها عام 1869، بسلسلة من الأحداث البارزة والتحسينات التي جعلتها شريان التجارة العالمية، حيث يمر خلالها 10 % من إمدادات النفط العالمية، ونحو 12 % من حركة التجارة العالمية، إضافة إلى نحو 30 % من حركة سفن الحاويات العالمية.
وظهرت فكرة قناة السويس لأول مرة في عام 1798 عندما اكتشف نابليون بقايا قناة قديمة، لكنه أهمل مشروع إنشائها بعدما خلصت نتائج دراسة أولية إلى اعتقاد خاطئ بأن مستوى البحر الأحمر أعلى من البحر المتوسط بنحو 10 أمتار. وفي عام 1859، بدأ العمل في مشروع القناة الذي تبناه المهندس والدبلوماسي الفرنسي فيردناند ديليسبس.
وعمل نحو 1.5 مليون عامل مصري في المشروع، الذي استغرق الحفر فيه وتجهيزه 10 سنوات، وبلغت التكلفة البشرية له نحو 120 ألف عامل قضوا في المشروع. وتم افتتاح القناة في نوفمبر/ تشرين الثاني 1869، وسط احتفالات ضخمة بمشاركة ديليسبس والخديوي إسماعيل، الذي يعد المؤسس الثاني لمصر الحديثة.
 وسيطرت فرنسا وإنجلترا على القناة حتى تأميمها عام 1956 من قبل الزعيم المصري جمال عبدالناصر، قبل 12 سنة من النهاية المفترضة لعقد امتياز استغلالها، وأعقب ذلك ما بات يعرف لاحقاً بـ«العدوان الثلاثي» وتسبب بإغلاق القناة، ليعاد افتتاحها في عام 1957.
وفي أعقاب تأميمها، تم تأسيس هيئة قناة السويس في يوليو/ تموز 1956، وهي الهيئة التي ما زالت تدير الممر المائي الحيوي حتى اليوم.
ومنذ افتتاحها، أغلقت قناة السويس عدة مرات، أطولها مدة 8 سنوات في أعقاب حرب يونيو/ حزيران 1967، حتى إعادة افتتاحها في 5 يونيو 1975، أما آخرها فهي جنوح الناقلة «إيفر جيفن».
ويبلغ طول القناة نحو 193 كيلومتراً، وقد نفذت مصر عمليات توسيع ضخمة عام 2015، أتاحت مرور السفن الأكبر في العالم عبرها.
وقالت هيئة قناة السويس إن نحو 19 ألف سفينة - أو 52 في المتوسط يومياً- عبرت القناة خلال 2020، في حين كان هذا الرقم في عام افتتاحها 1869، مجرد 3 سفن فقط. وتمثل القناة، التي يبلغ طولها 193 كيلومترا وعرضها 205 أمتار، مصدراً أساسياً للعملة الصعبة في مصر، وبلغت عوائدها 5.6 مليار دولار في عام 2020.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"