مرتزقة بلا إيجار

00:27 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

يبرز ملف المرتزقة كواحد من أهم الملفات التي باتت تؤرق المنطقة والعالم، ليس فقط بسبب التحديات التي تواجهها السلطة الليبية الجديدة، باعتباره من أخطر الملفات التي تحول دون إرساء دعائم هذه السلطة، وإنما لكونه بات سلاحاً تشهره الدول الداعمة لهؤلاء وقتما تشاء وكيفما تشاء لتحقيق مصالحها وأهدافها السياسية في أي مكان.

 أخطر ما في هذا الملف هو سهولة تحريكه وإمكانية نقل عناصر المرتزقة من مكان إلى آخر، مقابل دفع بدل مالي مغرٍ لقاء الخدمات التي يقدمونها، والزج بهم في بؤر الصراع الملتهبة لتغيير الواقع الميداني وقلب المعطيات القائمة، والعيث خراباً وقتلاً وتدميراً، دون أن يرف لهم جفن، نظراً لعدم ارتباطهم بالمناطق التي يقاتلون فيها، ودون أن يزعجوا الرعاة بالسؤال عن سبب توظيفهم في خدمة أهداف ومصالح لا ناقة لهم فيها ولا بعير. هكذا نقلت تركيا المرتزقة السوريين إلى ليبيا وإلى إقليم ناجورنو كاراباخ، خصوصاً بعد سقوط دولة «داعش» التي فتحت أراضيها طولاً وعرضاً أمام مرتزقتهم القادمين من شتى بقاع الأرض، فقط من أجل إسقاط الدولة السورية وتحقيق أطماعها الدفينة بالسيطرة على أجزائها الشمالية، وأهدافها الحاضرة في المشاركة بأي حل مستقبلي للأزمة السورية. 

 وإذا صح ما يتردد عن أن تركيا بصدد نقل المرتزقة من ليبيا بمن فيهم المرتزقة السوريين، تحت الضغوط الدولية الهائلة، لكونهم العائق الوحيد الذي يحول دون إحياء الدولة الليبية، وإعادة بناء مؤسساتها، واللحمة الوطنية لأبناء شعبها، فإن الوجهة التي يجري الحديث عن نقلهم إليها، عبر صحراء الجنوب الليبي، هي مالي وربما إلى دول أخرى في إفريقيا، كما يرى بعض المحللين، ما يفتح صفحة جديدة في ملف استئجار المرتزقة وتوظيفهم لتحقيق أهداف وغايات أخرى. 

فهناك في مالي توجد القوات الفرنسية التي تحارب الإرهاب منذ سنوات، لكنها فشلت في القضاء عليه تماماً. ونقل المرتزقة إلى هذا البلد للقتال إلى جانب الإرهابيين، سيشكل تحدياً مباشراً لنفوذ فرنسا التي تقف بقوة إلى جانب إخراج المرتزقة من ليبيا، فضلاً عن العلاقات المتوترة بين فرنسا وتركيا في الشهور والسنوات الأخيرة، بسبب التدخلات التركية في سوريا وليبيا وشرق المتوسط وحتى في القوقاز. وبالتالي فإن الحديث والتحذير من محاولات تركية للتدخل في الانتخابات الفرنسية المقبلة، ما هو إلا واجهة للخلافات المستترة والعلنية القائمة بين الجانبين، على الرغم من المحاولات الجارية لتقارب أوروبي - تركي يحتاج في الواقع إلى إيجاد حلول لكثير من الملفات.

 ما يقال عن تمرد في صفوف المرتزقة بسبب عدم إعادتهم إلى بلدانهم، خصوصاً بعدما منعوا من مغادرة الأراضي الليبية بأوامر من قادتهم ورعاتهم، يذكّر بما حدث للمرتزقة في ناجورنو كاراباخ، حينما وجدوا أنفسهم يقاتلون في مناطق لا يعرفونها، وان أعداداً كبيرة منهم تسقط على أرض الصراع بلا سبب ولا هدف سوى الحصول على المال، الذي غالباً ما يظل مؤجلاً بسبب سوء الأوضاع المالية والاقتصادية للرعاة وعدم قدرتهم على دفع الإيجار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"