العدالة الاجتماعية في الاقتصاد الرقمي

00:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبد الحسين شعبان

بالرغم من الظروف الصحية والاقتصادية العصيبة التي يمرّ بها العالم بسبب اجتياح وباء «كورونا»، احتفل المجتمع الدولي باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، كأنّه يريد التخفيف عن الحزن والمأساة التي شهدتها بلدان العالم كافة، واختارت الأمم المتحدة شعاراً يجمع العدالة الاجتماعية بالاقتصاد الرقمي، خصوصاً في ظلّ الطور الخامس للثورة الصناعية الذي يشهد نموّاً هائلاً ومتسارعاً للعلوم والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى تكنولوجيا المعلومات والإعلام ووسائل الاتصال، بما فيها الطفرة الرقمية «الديجيتال»، وقد فرضت تلك الأوضاع ضرورة الاعتماد على ترتيبات العمل عن بُعد، ما سمح بممارسة بعض الأعمال الاقتصادية والتجارية، بما لها علاقة بالاقتصاد الرقمي، الذي من تأثيراته الإيجابية إتاحة الفرص المتكافئة للنساء والأشخاص ذوي الإعاقة والشباب والعمّال المهاجرين للانخراط في سوق العمل، كجزء من التطور الحاصل على الرغم من التأثيرات السلبية لوباء كورونا، والانكماش الذي حصل على الصعيد العالمي.

 لقد ظلّت العدالة الاجتماعية هاجساً للعديد من الحركات الاجتماعية المطالبة بالمساواة ومنع التمييز، مثلما كانت، ولا تزال نقطة مطروحة على جدول أعمال العديد من القوى والتيّارات السياسية والاجتماعية، وبقدر ما كانت محلّ صراع طبقي حاد في العديد من المجتمعات، خصوصاً المتطوّرة، فإنّها في الوقت نفسه كانت مصدر جدلٍ واختلافٍ وتباينٍ في المنظمات الدوليّة أيضاً، وقد أعلنت الجمعيّة العامة للأمم المتّحدة في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2007 اعتبار يوم 20 فبراير/ شباط من كل عام يوماً عالمياً للعدالة الاجتماعية، وقد دعّم هذا التوجّه اعتماد منظمة العمل الدوليّة «إعلان العدالة الاجتماعية» للوصول إلى «عولمة عادلة»، في يونيو/ حزيران 2008، استناداً إلى مؤتمر العمل الدولي الذي أكّد المبادئ والسياسات الرئيسيّة التي تعتمدها المنظمة منذ صدور دستورها في عام 1919.

 وكان إعلان فيلاديفيا عام 1944 وعشيّة تأسيس الأمم المتحدة العام 1945 أكّد أيضاً إعلان المبادئ والحقوق الأساسية في العمل الذي اعتُمد عام 1998، وقد أيّدت هذا الإعلان 182 دولة من الدول الأعضاء، حيث يبرز موضوع العدالة الاجتماعية ويضع برنامج العمل الذي يسعى لتقديم بُعد اجتماعي للعولمة، بحيث تنسحب نتائجه على تحقيق قيم العدالة للجميع، وإن كان الأمر بحدّه الأدنى والممكن.

 وحسب التقارير الدولية التي تنشرها منظمة العمل الدولية فإنّ أكثر من 60% من العمال في العالم يفتقدون أي نوع من عقود العمل، وبالتالي إلى ضمانات قانونية، فضلاً عن أن نسبة العمّال بدوام كامل هي أقلّ من 45% من إجمال عدد عمّال العالم، وهي نسبة انخفضت في السنوات الأخيرة، وشهدت انخفاضاً شديداً خلال استمرار جائحة كورونا.

 جدير بالذكر أنّ العدالة الاجتماعيّة هي قيمة إنسانية عليا وحق إنساني واجب الأداء، وهي ركن أساسي من أركان المواطنة التي تقوم على الحريّة والمساواة وعدم التمييز والشراكة والمشاركة، فالمواطنة من دون العدالة ستكون ناقصة ومبتورة، إن لم تكن مشوّهة، ولا تستقيم مع فقدان العدالة الاجتماعية، وكيف يمكن تحقيق المساواة والشراكة مع الفقر، وهل يستوي الذين يملكون والذين لا يملكون؟ واستناداً إلى الآية القرآنية الكريمة «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون» (سورة الزمر)، باختصار، فالعدالة الاجتماعية ليست منّة، أو هديّة، أو هِبة من الحكّام أو أرباب العمل، الأمر الذي يحتاج إلى المزيد من الكفاح على جميع الصعد لتحقيقها.

 إنّ من شأن العدالة الاجتماعية أن تأخذ بُعداً جديداً في ظل العصر الرقمي والاقتصاد الجديد القائم على التقنيات الجديدة والتكنولوجيات التي أخذت تخترق مختلف قطاعات الاقتصاد لتحقيق التنمية المستدامة، وتقليص مستويات الفقر والتفاوت الطبقي وتوفير العمل المناسب للجنسين من دون تمييز، وصولاً للرفاه الاجتماعي بتعزيز العدالة الاجتماعية للجميع، والأمر يحتاج إلى إعادة نظر بنظام العلاقات الدولية وعلاقات الشمال الغني مع الجنوب الفقير لسد الفجوة الرقمية وإتاحة فرص عمل مناسبة للبلدان الفقيرة، والاهتمام بتوفير التقنيات الحديثة كيما تكون الأداة فاعلة لمواجهة تحديات العصر، خصوصاً بإعادة النظر بالقوانين والأنظمة ومنع الانتهاكات والخروق لمبادئ المساواة، سواءً في الأجور واحترام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بهذا الخصوص، إذْ لا يمكن تحقيق التقدّم المطلوب في الاقتصاد الرقمي على المستوى العالمي من دون تقليص الفوارق في ما يتعلّق بالعدالة الاجتماعية، وهو ما ينبغي أن تدركه القوى النافذة في العلاقات الدولية، وعلى صعيد كلِّ بلدٍ وهو ما أظهرته جائحة كورونا من تأثيرات سلبية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لأوساطٍ واسعة من سكان العالم لا تزال مستمرّة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمي ومفكر وكاتب عراقي، وهو نائب رئيس جامعة اللاّعنف وحقوق الإنسان (أونور) في بيروت. له مساهمات متميّزة في إطار التجديد والتنوير والحداثة والثقافة والنقد. يهتم بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والأديان، والدساتير والقوانين الدولية والنزاعات والحروب. صاحب نحو 70 كتاباً ومؤلفاً.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"