العرب والفضاء

00:35 صباحا
قراءة 3 دقائق

شهدت الأسابيع الماضية، أحداثاً علمية مهمة تمثّلت في ما يمكن تسميته بداية عصر عربي جديد لغزو الفضاء، من خلال مجموعة من المساهمات العلمية الفريدة من نوعها في هذا الفضاء الجغرافي، والتي تثبت أن العرب ليسوا أقل شأناً من بقية الأمم. الحدث تمثل في دخول تونس مجال الفضاء من خلال إرسال قمر صناعي من الفئة الجديدة ذات التكنولوجيات العالية والمصنّع محلّياً من قبل خبرات تونسية، كسبت التحدي الأول، وتمكنت من استقبال أولى إشارات القمر، الذي دخل حيّز الاستغلال، في خطوة تعتبر فارقة في تاريخ تونس. وفي نفس اليوم أطلقت الإمارات والسعودية قمرين صناعيين، في مركبة سويوز، وهما البلدان اللذان دخلا هذا الطور منذ سنوات. وفي القائمة العربية نجد دولاً أخرى مثل مصر والجزائر والمغرب، وهي دول قادرة بفضل الكفاءات العلمية والتكنولوجيات المتطورة أن تدخل نادي الفضاء بكل اقتدار. ولا ننسى «الفتوحات» العلمية التي أنجزتها دولة الإمارات من خلال تصنيع مسبار الأمل الذي تم إرساله بنجاح إلى كوكب المريخ؛ حيث سيُسهم في طفرة علمية من حيث الأبحاث والدراسات حول الكوكب الأحمر. علماً أن وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) ومعاهد فلكية غربية تزخر بعشرات الطاقات العلمية العربية، التي يمكنها أن تدشّن لو أتيحت لها الفرصة، عملية إحياء حقيقية لعلوم الفلك التي كان العرب قد تميزوا فيها خلال سبعة قرون، من القرن الثامن حتى القرن الخامس عشر، عندما شهدت علوم الفلك طفرة نوعية، استثمرها بعد ذلك الأوروبيون وطوروها، وحققوا فيها منجزات ضخمة.
 الفجوة الحضارية التي عاشها العرب خلال القرون الستة الماضية، منحت الفرصة للشعوب الأخرى لتتقدم في العديد من المجالات العلمية، منها علم الفلك، والذي أصبح فيما بعد علوم الفضاء، وتنافست الدول في ما يسمى «حرب النجوم»، وبلغت هذه الأمم الآن مرحلة تكوين «جيوش فضائية»، وهي آخر مرحلة من مراحل الصراع على الفضاء، فليس من يتحكم في الأرض فقط هو من يستطيع قيادة العالم، بل إنّ من مقاييس القيادة والسيطرة الدولية اليوم، القدرةَ على التحكم في الفضاء مجالاً حيوياً، في عصر تكنولوجيات المعلومات.
 ليس من الصدفة إذن أن تسارع الصين وروسيا وفرنسا، إلى تكوين فيالق ضمن جيوشها أطلقت عليها «جيوش الفضاء»، وليس من الصدفة أيضاً أن يسير الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في ركب المنافسة على الفضاء ويعلن عن خلق فريق داخل القوة الجوية الأمريكية أطلق عليه جيش الفضاء.
 لم تضق الأرض بساكنيها، بل إن طموح العقل البشري لا حدود له، والعرب يجب أن ينخرطوا في هذه المنافسة الدولية بما توفّر من إمكانيات، والتي ستفتح أبواب خير كثيرة في المستقبل. فمصادر الثروة المستقبلية ليست في باطن الأرض، بل في العقل البشري وفي الفضاء؛ لأنّ عالم الشبكات المعقّد الذي ميّز الثورة التكنولوجية الحالية، يتيح فرصاً كبرى للدول لاستثمار القدرات العلمية لدى شبابها. وليس الأمر مستحيلاً، فتكوين هيئة فضاء عربية ضمن الجامعة العربية، تكون مهمتها الأولى والأساسية تفعيل اتفاقيات التعاون ودعم البحوث العلمية في مجال الفضاء، بين الدول المنخرطة في الجامعة والراغبة في أن تكون لها بصمة في الفضاء، هو من المهام المطروحة على أصحاب القرار. لأنّه لا يخفى على أحد أن هناك دولاً تمتلك ثروات مالية مهمة، وهناك دول تمتلك قدرات بشرية لم تجد الطريقة المثلى لاستثمار ملكاتها ومهاراتها العلمية.
 الثابت أن الإرث العربي في علوم الفلك، هو خير زاد علمي استثمره الغرب لتطوير علوم الفضاء، وقد آن الأوان للعرب أن يباشروا الفرص المتاحة الآن؛ ليحققوا منجزات حضارية ترتقي بالإنسانية، وتُسهم في مزيد من استثمار الممكنات المادية والطبيعية التي تتوفر عليها الأرض العربية. إنه لا شيء يمكن أن يقف أمام الحلم العربي، إذا ما توفرت الإرادة وإذا ما تسلح الجميع بالأمل. ذلك الأمل الذي قاد دولة الإمارات لأن تكون لاعباً رئيسياً في الأبحاث المتعلقة بالكوكب الأحمر. خلف غبار المعارك الدائرة الآن هناك فضاء فسيح، هو فرصة الشعوب التي تريد أن تكون فاعلة في المستقبل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"