المصالحة بديلاً لـ «القوة»

00:38 صباحا
قراءة دقيقتين

من اللافت أن يقوم الرئيس الأمريكي جو بايدن بدعوة نظيره الروسي فلاديمير بوتين للمشاركة في قمة المناخ التي يجري التحضير لها عبر الاتصال المرئي في نهاية إبريل/نيسان، بعدما وصلت العلاقات الأمريكية الروسية إلى الحضيض مؤخراً، فهل تحمل هذه الدعوة ضمناً نوعاً من المصالحة أم أنها تكرّس مفهوم بايدن القائم على مخاطبة زعماء العالم من موقع القوة؟
 قد يكون الاستنتاج مبكراً للجواب عن هذا السؤال، لكن ما هو واضح حتى الآن أن الخيارات تبقى محدودة بعد مرحلة اختبار القوة التي نشأت مع مجيء إدارة بايدن، والتي أوصلت العلاقات الأمريكية الروسية إلى أسوأ مراحلها التاريخية، خصوصاً بعدما وصف بايدن نظيره الروسي في مقابلة علنية بأنه «قاتل»، وأن روسيا ستدفع ثمن ما يقال عن تدخلها في الانتخابات الأمريكية، سواء الأخيرة أو التي سبقتها في 2016. وهو ما رد عليه بوتين بهدوء، متمنياً الصحة لنظيره الأمريكي، داعياً إياه لحوار علني عبر الإنترنت، فيما أجاب بايدن بأنه سيلتقي بوتين يوماً ما، لكن بوتين لم ينتظر كثيراً، واستدعى سفيره في واشنطن؛ حيث بدأت دوائر الكرملين بمراجعة تقييمية لمجمل العلاقات مع أمريكا. 
 حتى الآن، لم يرد الكرملين على دعوة البيت الأبيض لبوتين بشأن حضور قمة المناخ لا بالقبول ولا بالرفض، لكن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، قال إن روسيا لن تسمح للولايات المتحدة أو أي دولة أخرى، بالتحدث معها «من موقع القوة». ومع ذلك هناك من يعتقد من المعلقين الروس أن دعوة بايدن تحمل في مضمونها نوعاً من الاعتذار أو المصالحة أو طيّ الصفحة السابقة، كما يقال، وهناك أيضاً من يرى أن بايدن يذهب باتجاه ما أفصح عنه سابقاً بأنه سيتعاون مع روسيا والصين في القضايا التي ينبغي فيها التعاون المشترك. لكن هل يكفي التعاون «الانتقائي» في إطار علاقة تنافسية مع دولتين بحجم روسيا والصين؟
 بالعودة إلى الخيارات، فإنها تبقى محدودة بالفعل، ذلك أن خيار القوة العسكرية ليس مطروحاً؛ لأن موسكو وواشنطن تدركان أنهما قادرتان على تدمير بعضها البعض، رغم الحديث عن امتلاك موسكو أسلحة فرط صوتية تمنحها التفوق، وامتلاك واشنطن أسلحة تمنحها التفوق على روسيا والصين معاً، بينما لم تكشف بكين أوراقها في هذا المجال، وإن كان الجميع يدرك أنها باتت قوة عسكرية واقتصادية صاعدة. وفي هذا السياق، يبرز فشل المحادثات التجارية الصينية الأمريكية التي جرت في ألاسكا قبل أيام قليلة، كعلامة على إمكانية الإخلال بالمعادلة القائمة، بعيداً عن الخيار العسكري، ما يعني أن العلاقات الأمريكية الصينية ذاهبة نحو المزيد من التدهور، يقابله مزيدٌ من التقارب في العلاقات الروسية الصينية، وأحاديث متواترة عن تعاون مشترك، وتمديد معاهدة الصداقة وحسن الجوار، بل هناك حديث عن إمكانية توقيع «ميثاق دفاعي» روسي- صيني مشترك.
 وخلاصة القول، أنه رغم استعراض القوة هذا، فإنه لا مفر من خيار المصالحة كبديل حقيقي لخيار الرعب الذي بات يهيمن على العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"